ثالثا: تحقيق الرسالة .
" رسالة في تحقيق معنى النظم والصياغة " ١
بسم الله الرحمن الرحيم ٢
باسمه سبحانه ٣، الحمد لوليه ٤، والصلاة على نبيه ٥. وبعد؛ فهذه رسالة رتبناها في تحقيق معنى النظم والصياغة عند أرباب البلاغة وأصحاب البراعة، فنقول ومن الله التوفيق، وبيده أزمة التحقيق: اعلم أن أساس البلاغة وقاعدة الفصاحة نظم الكلام، لا بمعنى ضم بعضها إلى بعض كيف جاء واتفق، بل بمعنى ترتيبها حسب ترتيب المعاني في النفس، فهو إذًا نظم يعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض، لهذا كان عند أرباب هذه الصناعة ٦ نظيرا للنسج والوشي الصياغة وما أشبه ذلك. مما يوجب اعتبار الأجزاء بعضها مع بعض حتى يكون لوضع كل منها ٧ حيث وضع علة تقتضي كونه هناك، وحتى لو وضع في مكان غيره لم يصلح ٨.
وإذا تحققت هذا فاعلم أن نظم أجزاء الكلام مع قطع النظر عن الدلالة بمعانيها الوضعية على معان أُخر ضرب من القصور فيستعار له من ٩ الصياغة بدون اعتبار ما في المعنى من الاتساع والتَّجوُّز على ما أفصح /س٩٦أ/ عنه ١٠ الشيخ ١١ حيث قال في دلائل الإعجاز ١٢: "واعلم أنّ مَثَل واضع اللغة مثل من يأخذ قطعًا من الذهب أو ١٣ الفضة فيذيب ١٤ بعضها بعضا في بعض حتى تصير قطعة واحدة. وذلك أنك إذا قلت: " ضرب زيد عَمْرا يوم الجمعة ضربًا شديدًا تأديبًا له " فإنك تحصل من مجموع هذه الكَلِم ١٥ على مفهوم هو معنى واحد/ع٢٠٩أ/، لا عدة معان كما يتوهمه ١٦ الناس ١٧. وهو إثباتك ١٨ زيدا فاعلا ضربا لعمرو في وقت كذا وعلى صفة كذا لغرض كذا. ولهذا نقول إنه كلام واحد ١٩ وإذا عرفت هذا فبيت (بشار) ٢٠ إذا تأملته وجدته كالحلقة ٢١ المفرغة التي لا تقبل ٢٢ التقسيم، ورأيته قد صنع في الكَلِم التي فيه ما يصنعه الصانع ٢٣ حين يأخذ كِسَرًا ٢٤ من الذهب فيذيبها ثم يصبها في قالب ويخرجها لك سِوارا، أو خلخالا. وأنت إذا حاولت قطع بعض ألفاظ البيت عن بعض كنت كمن يكسر الحلقة ويفصم السوار ٢٥. وذلك أنه لم يرد أن يشبّه النقع بالليل على حدة، والأسياف بالكواكب على حِدة ٢٦، ولكنه أراد أن يشبه النقع والأسياف تجول فيه بالليل في حال ما تكدر ٢٧ الكواكب وتتهاوى فيه. فالمفهوم من الجميع مفهوم واحد. والبيت من أوله إلى أخره كلام واحد " ٢٨. والبيت هذا:
1 / 185