[مقدمة مولف]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حق حمده، سبحانه لا نحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه، نحمده ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، ونصلي ونسلم على من أرسل رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى سائر إخوانه الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان.
وبعد، فلما انقضى عهد الحكومة التركية في ديار الشام، وحلت محلها الحكومة العربية الأولى التي ترأسها الأمير فيصل بن الحسين، قبل أن يصير ملكا، دعا إليه الإمام السيد محمد رشيد رضا من مصر ليكون عونا له في الشؤون العربية والإسلامية، فكان منهما أن اعتزما إرسال كتابين باسمهما مع رسولين أمينين يبلغان رسالتيهما كتابة ومشافهة إلى الأمير عبد العزيز آل سعود في نجد، قبل أن يكون ملكا أيضا، وهما يدعوان إلى نصر الإسلام، وعقد اتفاق عام بين جميع أمراء الجزيرة العربية وأئمتها الكرام دفعا للعدوان الأجنبي. وتم اختيارهما لهذا الضعيف ليبلغ الرسالة الدينية التي كتبها السيد محمد رشيد رضا صاحب «المنار»، وللأخ شلاش النجدي الذي كان مؤتمن الأمير فيصل لإيصال الرسالة السياسية، فسافرنا بمشيئة الله متوكلين عليه، مسلمين أمرنا إليه، ولقينا من المخاطر والأهوال ما تشيب له النواصي، وكنا نحتسب ذلك عند الله، ونرجو أن يكون ذلك جهادا في سبيله، وابتغاء رضوانه ومثوبته، ويجد القارئ وصفا لذلك كله في
Página 13
مذكراتي هذه المفصلة عن هذه الرحلة التي امتدت خمسين يوما.
وقد أشار علي بعض الإخوان بنشر هذه الرحلة لطرافتها ولتصويرها الواقعي الأمين لفترة مضطربة رهيبة من حياة الجزيرة العربية، كانت تتخطف فيها لأرواح وتسلب الأموال وتنتهك الحرمات، ولتذكير المسلمين بالخط الحديدي الحجازي الذي يربط بين الأقطار ويقرب الأمصار، عسى أن يكونوا أكثر جدا في تجديده، وأوفر حرصا على إعادته لفوائده الروحية والاقتصادية والاجتماعية. وقد آثرت أن تطبع الرحلة كما كتبت أول مرة، ولم أعمل فيها يد التنقيح أو التهذيب لتبقى لها صورتها الأولى ولتحمل جوها الأصيل.
وفي آخر الرحلة ثلاثة كتب مهمة في موضوعها. ورأيت أخيرا أن أكتب ترجمة موجزة لحياتي وألحقها بها. والحمد لله رب العالمين.
محمد بهجة البيطار
Página 14
[طريق السفر]
يوم السبت في 8 جمادى الثانية عام 1338 ه «1920 م»
باسمه تعالى وبحمده
سرنا على بركة الله ويمنه، وسار بنا القطار الحجازي الخاص من «محطة القنوات» في دمشق الشام، الساعة الثالثة وعشر دقائق صباحا، ومررنا بالمحطات (1) التالية:
«الكسوة» في الساعة الرابعة والدقيقة العشرين.
«دير علي» الساعة الخامسة. ثم «المسمية» في الساعة الخامسة والنصف، وقد شاهدنا بها آلة ميكانيكية لاستخراج الماء. وفيها ماء عذب خفيف.
«جباب» الساعة السادسة، ولم نقف عندها، أما في المحطات الأولى فقد وقفنا في كل منها بضع دقائق.
«خبب» في الساعة السادسة والربع، ثم «المحجة» بعد ربع ساعة، ثم «إزرع» في تمام الساعة السابعة، ثم «خربة الغزالة» في السابعة والدقيقة الخامسة والعشرين، وهي أول قرية اجتمعنا فيها بإخواننا الميدانيين (2)، ثم وصلنا إلى «درعا» الساعة الثامنة، وهي أرقى من كل ما سبقها من المحطات، وأبنية الحكومة فيها فخمة، وقد تجولنا فيها قليلا، ولم
Página 15
تتيسر لنا زيارتها كلها، ولا زيارة إخواننا الميدانيين فيها، وفيها نزل لطيف، وقد أنسنا فيها بلقاء أبناء عمنا الأفندية حمدي وبشير وفهمي، وجلسنا عندهم نحو نصف ساعة، وابتعنا من مخزنهم وغيره بمقدار مائتين وخمسين قرشا، وابن عمنا حسني أفندي هو محاسب حوران الآن سلمهم الله، وفي درعا فرع للخط من جهة الغرب إلى حيفا.
وتابعنا سيرنا فبلغنا «المفرق» في الساعة الحادية عشرة والدقيقة الخامسة عشرة، وقد شاهدنا بأم العين آثار المعارك الدموية الهائلة التي جرت في تلك البقعة بين العرب والترك، من عظام بالية، وقطارات معطلة، وتحصينات مخربة، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
وبلغنا «خربة السمرا» الساعة الثانية عشرة مساء، ثم «الزرقاء» في الساعة الواحدة ليلا، وهي قرية يسكنها الجركس، والذي اشتهرت به هو عينها الشهيرة بعين «الزرقاء»، وهي نهر في الجنوب الغربي ويمتد من البلقاء إلى بحيرة لوط (3). ثم «عمان» الساعة الثانية ليلا، وفيها آلة ميكانيكية لاستخراج الماء، وقد تناولنا في المحطة طعام العشاء، وشربنا الشاي والقهوة، ودار بيننا حديث في أخلاق الحجازيين، والشاميين والنجديين، واتفقنا على أنه لا معصوم إلا من عصم الله، ثم بتنا ليلتنا في قطارنا، وقد جالت في
Página 16
صدري هذه الآبيات التي وجهت بها إلى صديقنا الأستاذ عبد الحكيم الطرابلسي مدير مدرسة التوفيق وهي:
«فاتحة القول»
ديونك يا عبد الحكيم فأنصف
وبادر إلى توفير مال بها يفي
وإن شئت أن تحيا عزيزا مكرما
فكن رجلا في كل حال وموقف
«دمعة حب، ولوعة شوق»
أتذكر إذ ودعتكم ظهر «جمعة»
وحبيك يا هذا لقد كان متلفي
ونيران شوقي بعد بعدي وغربتي
أثارت لهيبا في الحشا ليس ينطفي
«الدواء الناجع»
لئن كنت يا خلي، و«بهجة» مهجتي
مشوقا كشوقي مع مزيد تلهف
فعندك من أصحابنا من يذيبه
ولو شوق يعقوب إلى شخص يوسف
«خاتمة القول»
سلام على أهلي وصحبي ومعهد
على بعدهم عني يزيد تأسفي
سأذكرهم ذكرا حثيثا يهزني
سريعا إلى ذاك المكان المشرف
يوم الأحد في 9 جمادى الثانية عام 1338 ه
صلينا فريضة الفجر مع الإخوان في القطار، ثم تجولنا في المحطة ورأينا فيها منشآت الحكومة، وهي أرقى من كل ما سبقها ما عدا درعا، ودور موظفي الحكومة مبنية كلها بالقرميد والحجر، فوق سفح الجبل، بناء هندسيا، وفيها نزل لطيف مشتمل على غرفتين للمنام، وحجرتين للطعام. وفيها
Página 17
قطار معطل مع شاحناته، اشترينا منها بمائة قرش طعاما، وبارحناها في الرابعة والدقيقة العشرين صباحا.
جرى القطار بنا بعد عمان بقليل في نفق ببطن الجبل نحو دقيقتين، ومررنا على جسر القصر، ثم بلغنا «القصر» الساعة الخامسة والنصف، ثم «لبن» الساعة السادسة والربع، ثم «الجيزة» الساعة السادسة والنصف وفيها آلة ميكانيكية لجر الماء. ثم «ضبعة» في الساعة الثامنة والدقيقة العشرين، وقد لقينا فيها شيخا من عرب بني صخر واسمه الشيخ السطل، وقدم لنا جرعة من اللبن، ولم يقبل الثمن، ودعانا لتناول الطعام عنده فشكرنا له، وهو محافظ الخط هناك، وأعراب بني صخر منتشرون من حدود عمان، إلى القطرانة، وقد رأينا بعضهم في الطريق.
ثم «خان الزبيب» الساعة التاسعة. ومن عجيب ما رأينا في هذا المكان في بركة ماء توضأنا منها حيات ماء بحجم سلك الكهرباء، قد انتظمت في بطنها حبات سوداء، بمقدار العدسة. وتبلغ الحية طولا أكثر من عشرة أذرع، ممتدة في الماء بشكل خطوط مستقيمة، ومنكسرة، ومنحنية، فسبحان الخلاق العظيم.
ثم «سواقة» الساعة العاشرة وعشر دقائق، ثم محطة القطرانة الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق، وفيها آلة ميكانيكية لإخراج الماء وحمله إلى الخزانات. وقد لقينا فيها الأستاذ فارس الذي كان معلم الإنكليزية في «المدرسة
Página 18
الكاملية»، وهو موظف في إدارة الحكومة، وسألني عن كتب نافعة له في الدروس العربية والأدبية، فذكرت له ما حضرني، وعرفني بحضرة المهندس المقيم هناك خليل بك المقدسي فحصلت بيننا المعرفة والأنس، وكتبت هناك مكتوبين أحدهما لآلي، والثاني لأخينا الطرابلسي وسلمتهما لدائرة البريد، وبتنا في القطرانة، وحملوا منها الأخشاب والحديد والرمل، والبنزين لإصلاح السكة الحديدية في عدة مواضع.
يوم الاثنين في 10 جمادى الثانية عام 1338 ه
تحرك بنا القطار الساعة الثالثة صباحا، فبلغنا «منزلة» الساعة الرابعة، ثم «فريفرة» الساعة الخامسة، ثم «الحسا» الخربة الساعة السادسة، ثم «جروف» الخربة الساعة الثامنة، ثم «عنزة» الخربة الساعة التاسعة، ثم «وادي الجردون» الساعة العاشرة وخمس دقائق، ثم «معان» المغرب، وكان القطار يقف بنا في الطريق وقوفا طويلا، لإصلاح ما تعطل من السكة الحديدية، وقيده من قبل المهندس خليل بك الذي ركب معنا هو ومعنا هو ومعاونه رمزي أفندي التركي من أجله، واستقبلنا في معان الشيخ إسماعيل بك القزاز، قائد الحملة هناك، وهو رجل مكي الزي والأصل، يحسن اللغة التركية، ثم دعانا فتناولنا طعام المساء عنده، وبتنا ليلة الثلاثاء في القطار، بمحطة معان.
Página 19
يوم الثلاثاء في 11 جمادى الثانية عام 1338 ه
تجولنا صباح الثلاثاء في قرية «معان» التي هي في غرب الخط على مسافة نصف ساعة منه، وهي منقسمة إلى قسمين «جنوبي» يسمى «معان المصرية» وشمالي يسمى «معان الشامية» وبينهما مقدار ربع ساعة، وفي كل منهما مكتب بسيط وغالب بائعيها من أهل مكة المكرمة، وقد تناولنا الشاي في دار شاب نجيب من أهل «المدينة المنورة» واشتريت منها طعاما بأربع ليرات عثمانية ذهبا.
وقد قضينا يوم الثلاثاء في «معان» منتظرين جنود القزاز، التي جهزها بما يلزم لتصحبنا إلى «مدائن صالح» ثم إلى «المدينة المنورة» وتناولنا الطعام مساء عند القزاز أيضا، فحياه الله، ثم بتنا ليلة الأربعاء في قطارنا بمعان أيضا.
يوم الأربعاء في 12 جمادى الثاني عام 1338 ه
جرى بنا القطار الساعة الثالثة من صباح الأربعاء، صحبة رفقائنا من دمشق، وهم الشيخ شلاش العقيلي النجدي من قرية «بريدة» وقريبه الشاب عبد الله النجدي من قرية «الرس»، وهما رفيقا نجد، والشيخ محمد أمين الربو التاجر المدني، وسليمان بن زيد وأصله نجدي من «قرية حائل» وهما يؤمان البلد الطيب، وقد صحبنا جنود القزاز، وهم ثمانية نفر، ومعهم زاد السفر، وقد تدججوا بالسلاح،
Página 20
حماية لأنفسهم ولنا من أعراب تلك البطاح، ولم يتيسر لنا أن نجتاز سحابة ذلك النهار، أكثر من ثلاث محطات، تبلغ 55 كم، وهي من معان «464» كم من الشام، إلى غدير الحاج «480» كم إلى بئر الشدية «492» كم إلى العقبة «519» كم، وكلها مواقف خربة، عطلتها مدافع الحرب، وسبب هذا البطء إحصاء جسور الخط العامرة والخربة، وأخذ ارتفاعها، ومعرفة أبعادها، وكذا منشآت الحكومة، وبيان ما تخرب منها وما يلزم لإصلاحه، وصرنا نقف عند الجسور والأمكنة الخربة وقوفا طويلا، وحضرة المهندس يفصل القول في ما يكتبه تفصيلا، فأدركنا الغروب في «العقبة» وبتنا فيها ليلة الخميس في 13 جمادى الثانية عام 1338 ه، وقد تعطلت بعض آلات القطار فأصلحها السائق صباح الخميس.
يوم الخميس في 13 جمادى الثانية عام 1338 ه
ساربنا القطار الساعة الثانية صباحا، واجتزنا في هذا النهار أربع محطات مسافتها «56» كم، وهي: وادي الرتم، وتل الشحم، والرملات، والمدورة. وقد بتنا ليلة الجمعة في المدورة، وكان سبب تأخرنا وبطئنا ملاحظة الأمكنة المعطلة من جهة، ونقل الرمال عن السكة من جهة ثانية، وأول هذا الرمل الذي صادفنا في المدورة، وآخره بين وادي الشحم وبئر هرماس، على مسافة عشرة كيلومترات من كل منهما.
Página 21
واقعتنا مع الأعراب من بني عطية
وما نبالي إذا أرواحنا سلمت
بما فقدناه من مال ومن نشب
في الساعة الثالثة والنصف «وقت الظهيرة» من هذا اليوم الخميس 13 جمادى الثانية 1338 ه، نفر لنا بين تل الشحم والرملات «551- 560» كم، فئة قليلة من الأعراب راكبين فوق ظهور الأيانق والأباعر، حاملين البنادق على أكتفاهم، والمسدسات والمدي بأيديهم، فوجهوا سلاحهم أولا نحو رئيس الحركة، وآذنوه بالقتل إذا هو لم يقف، فوقف قطاره مضطرا.
لم يكد يقف القطار عن الحركة حتى انقضوا علينا منحدرين كالسيل الجارف، والبرق الخاطف، وهم يقولون:
«وش علومكم، وش عندكم، حنا ما نبغي غير الذهب»، فقال لهم بعضنا: نحن جماعة من الجنود والشيوخ نحمل المكاتيب من رؤساء العرب، ومن سمو الأمير فيصل، لنوصلها إلى سمو الأمير علي في المدينة المنورة، من أجل إصلاح الطريق وتمشية القطار، وحفظ حقوقكم وصركم، وإن في ذهاب القطار بين المدينة المنورة ودمشق حاملا للمسافرين آمنين مطمئنين فيه على أنفسهم وأموالهم، من الفوائد لكم ما لا يخفى عليكم.
قال بعضهم هذا الكلام وباب القطار يحميه رجل منا، وباقي الجنود يتهيؤون بحمل بنادقهم وسائر سلاحهم للدفاع، وإذا ببعضهم يقول: أفسحوا افتحوا لنرى من في القطار، وأنزلوا حارس الباب عنوة، وأخذوا الشيخ شلاش النجدي إلى مكان
Página 22
بعيد، ودار بينه وبين بعضهم حديث، وتسلق بعض عفاريتهم سطح القطار، وكسر نوافذ الزجاج ودخل شاهرا السلاح، وكسر الآن زجاج النافذة الشمالية ودخل، ثم هجم آخرون من الباب وبأيديهم المسدسات والمدي، فقال لهم أحد الجنود: يا بني عطية: ستندمون على هذا العمل، وستحرمون حقكم في المستقبل. ولكنهم أخذوا يسلبون بلا مبالاة، ويختارون ما خف حمله، وغلا ثمنه، بحال مخيفة مرعبة، ووجوه وأزياء تقشعر منها الأبدان، وساعة رهيبة تشيب لهو لها الولدان، ووجدوا معنا شيخا ضعيفا من عرب «عنزة» فقال بعضهم بصوت عال: «حامد» وقال الآخر: حامد بن عبد الله فقالوا: اقتلوه، فصوب بعضهم البندقية لقتله، ومد الآخر المدية لذبحه، قلت «أنا»: لا تقتلوني، وليس لكم ثأر عندي، ثم سلبوه اثنين وأربعين جنيها ذهبا إنكليزيا، وأربعة وتسعين مجيديا، وشبرية، ومحزوم بارود وحق «ذهبة» مجيدي 2 ونصف، وثلاث عبي «40 مجيدي»، وعقال عدد 1، وثوبين باليين.
وانبعث إلي شقي منهم فسلبني أربعين جنيها عثمانيا ذهبا، وعددا من المجيديات، ونقودا صغيرة ، ولم يبقوا عندي شيئا من النقود لا فضة ولا ذهبا، وسلبوني عباءتي وعقالي وجبتي وقنبازي وجاكيتي وزنارين ولم يبقوا على بدني غير السروال والقميص والصدرية، وأصابني من جراء ذلك برد شديد، وألم في معدتي عظيم، وعاود سلبي ثلاث مرات، وأحدهم كان يهوي بالمدية علي ويحاول بها قتلي، ويقول لي أين الذهب؟ يريد بذلك إخباره عن مقدار ذهبي وذهب غيري
Página 23
حتى يتم لهم أخذه بسهولة، قلت لهم أنا ما معناه: هذه أول مرة حللنا فيها أرضكم يا بني عطية، وكنا نظن أن إيقافكم للقطار بهذه السرعة، من أجل إكرامنا، وإنزالنا ضيوفا عندكم كما هي عادة العرب الكرام، ولكنكم أو سعتمونا سلبا ونهبا، وإهانة وسبا، فخيبتم رجاءنا فيكم، وتركتمونا لا زاد ولا طعام ولا نقود، وبيننا وبين الجهات التي نقصدها أيام، فأين الكرم، والإباء والشمم، أهذه هي عادة العرب الكرام؟ ألا وإنكم ستندمون على ما فعلتم بنا، «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» ولكن أولئك السفهاء الجهال، كانوا من الذين يعبدون الدرهم والدينار، فلم يردوا لي غير الجبة والزنار!
ما سلبوه من رفاقنا في الرحلة
1- الشيخ شلاش النجدي: مائة ليرة ذهبية، فروة ثمينة، قنبازان، بندقية، محزم مملوء خراطيش، شداد.
2- الشيخ محمد أمين المدني: ثلاثمائة جنيه ورقا، وأمانات وغيرها بمقدار مائتي جنيه.
3- الشاب عبد الله النجدي: عباءة، قنباز، حذاء، ثوب جديد غير مخيط، عقالان، 3 قمصان، لباسان، وواحد وعشرون مجيديا.
4- سليمان النجدي من حائل: مسدس إنكليزي، 6 دلال قهوة كبيرة نحاس، ستون مجيديا، خرطوش «عشرون مشطا» عباءة، عمامتان، ثوب، عقال.
Página 24
ما سلبوه من أصحابنا جنود إسماعيل بك القزاز
1- عبد الله كلش الضابط المكي 3 بدلات عسكرية، قميصان من المضام، صوف 2، عمامة روز 2، حرام أسود، 3 سراويل، 13 جنيها من الذهب الإنكليزي، نصف جنيه مصري، عقال، حذاء «بيتون» جديد، جوارب زوج عدد 2 «32» مجيديا أمانة، تنكة سمن أمانة الجند، دخان عدد 2.
2- الوكيل بشير حسن المكي: 6 جنيهات إنكليزية ذهبا، عباءة كبيسية، عقال، 6 أثواب زرق، 5 عراقيات، قمصان، 7 سراويل.
3- العريف حسن جنيني النابلسي: عباءة أميرية، عقال، كبود إنكليزي، سترى وبنطال، 3 جنيهات إنكليزية.
4- الجندي اسكندر الكردي: ليرتان عثمانيتان ذهبا، كبود إنكليزي، بطانيتان، كمر شامي، كفية سوداء.
5- الجندي سليم الشامي: 3 جنيهات إنكليزية ذهبا، 6 مجيديات، عباءة إنكليزية، معطف «كبود» إنكليزي، بنطلون وسترة، بطانية، حطة، عقال.
6- الجندي أحمد المغربي: كبود إنكليزي، عباءة عسكرية، بطانيتان، عراقيتان «قميصان»، ثوبان أزرقان، 3 سراويل، حرام بلاس.
7- الجندي محمد نجم: 7 قمصان، 4 سراويل، ثوبان من الخام، 3 حزامات مشكلة، 3 طاقيات، حزام، 19 مشطا
Página 25
خرطوشا، كمر قطن، كبود، ليرة عثمانية ذهبا، 5 ليرات إنكليزية ذهبا، معطف وسروال، «سترة وبنطلون».
8- الجندي حسن الشامي: بدالة، كبود، بطانية.
9- داود ضابط الرهط الثالث: لحاف، 3 بطانيات، كفيتان، حذاء «كندرة»، 17 جنيها إفرنجيا، نصف جنيه ورقا، بدلتان قماش، تنكة سمن، مشلح، عقال، 4 سراويل، 4 ثياب.
10- الجندي حس كلسلي بن سليمان: 3 جنيهات إنكليزية ذهبا، كبود إنكليزي، مشلح، 3 أثواب.
11- الجندي حنفي علي عينتابي: عباءة، مشلح، بطانية، جنيهان إنكليزيان، 4 مجيديات.
12- الجندي أمين علي الهندي: 5 جنيهات إنكليزية، ثوب، قميص، أغراض أميرية، خرطوش.
وتقدر خسائر حضرة المهندس وسائر الموظفين بمئة جنيه على الأقل، عوض الله المصابين خيرا، وعلى السالبين الظالمين من الله ما يستحقون.
وعميد هذه العصابة الظالمة «محمد بن دغيمان من السبوت»، و«سليمان من جماعة جنود بن فرحان» كما أخبرنا بذلك خوينا حامد العنزي. ومن ريب أمر هذه الفئة الشقية أن سالب رفيقنا «شلاش» منها، هو الذي للشيخ شلاش عليه اليد البيضاء، فقد أخرجه من السجن مرتين.
وما أكثر نزول هؤلاء الأرذال عند القزاز ضيوفا، وجنود القزاز أصحابنا هم الذين يقدمون لهم الطعام ويقومون
Página 26
بخدمتهم، وهم يعرفونهم فردا فردا، ومن أصحابنا الجنود من أقام عندهم أولئك القرود مددا طوالا، اشتغلوا عندهم بها رعاة وخداما.
فيالله من هؤلاء اللئام، ما أفسد ودهم، وما أنقض عهدهم، وما أشد غدرهم وكيدهم، ساق الله لهم من جنوده من يرغم أنوفهم، ويخضع شياطينهم، وما هو من الظالمين ببعيد.
يوم الجمعة في 14 جمادى الثانية عام 1338 ه
مشينا صباح الجمعة من المدورة 3 محطات، وهي حارة العمارة، ذات الحد، بئر هرماس، ومسافتها «60» كم «577- 637» وسبب هذا البطء شغلنا بإزاحة الرمل عن طريق السكة، وما أكثره ثم.
يوم السبت في 15 جمادى الثانية عام 1338 ه
توجهنا صباح السبت الساعة الثانية عشرة والدقيقة الخامسة عشرة من بئر هرماس، فقطعنا بسرعة زائدة الحزم، والمحطب، ووصلنا «تبوك» بسلام الساعة السادسة، وابتاع لنا الشيخ شلاش منها عباءة، واجتمعنا فيها بصديقنا الشيخ عبد القادر النوشاهرلي، وهو مدير تلك الناحية، وقد تناولنا طعام الغداء «رزا ولحما ويقطينا» في دار «جلوي» أحد أجواد «تبوك» وكان المدعوون أكثر من خمسين رجلا. ثم طفنا
Página 27
«تبوك» مع صديقنا «النوشاهرلي» فإذا شجرها النخيل، ويقدر بنحو ثلاثة آلاف شجرة على أقل تقدير. وفيها قليل من شجر الدراق، والليمون الحلو، والعنب، والتين. وأهلها أهل بادية، ورأينا العين التي زادت ببركة النبي صلى الله عليه وسلم، وشربنا من مائها العذب، ونظرنا قلعتها التي بناها السلطان سليم، وجددها السلطان محمد سنة 1064 ه، [1653- 1654 م]، وهي قلعة مبنية بالحجر، تبلغ مساحتها نحو أربعين ذراعا في أربعين طولا وعرضا، وفيها حجر وغرف صغيرة مهجورة. وفيها مدفعان قديمان يقال إنهما من زمن السلطان سليم، وقد أصلحهما الترك أيام الحرب،
وأدينا في مسجدها صلاة الظهر مؤتمنين بالامام الشيخ عبد القادر، أنا ورجلان آخران ورأينا فيها اثنين من جنود المدينة المنورة، بعثهما على الفرار الشوق لأهلهما في سورية، والقلة والجوع في الجندية شأن العشرات الفارين من ثم، المنقطعين على الطريق، حسبنا الله ونعم الوكيل. وشعرنا من «تبوك» بتغير الطقس، وشدة الحر. وتوجهنا منها باسم الله قاصدين الحجر «مدائن صالح» الساعة الثامنة والنصف بعد الظهر، فقطعنا باقي النهار «60» كم من «697- 757» وبلغنا «المستبقعة» الساعة الحادية عشرة والنصف مساء وهي من حدود بني عطية، فإن أول حدهم «القطرانة» وآخرها «المعظم» قبل «الحجر» وقد أنشدنا ليلة الأحد في «المستبقعة» بقطارنا:
Página 28
وليل قضيناه بأرض عطية
بقرب من الأعداء، قبح من ليل
طوينا بذاك الحي ليلة خائف
نهدد فيها بالثبور وبالويل
فلما بدا وجه الصباح جرى بنا ال
قطار بهاتيك الأباطح كالسيل
يوم الأحد في 16 جمادى الثانية عام 1338 ه إلى 21 منها
تحرك بنا القطار الساعة الثانية عشرة والدقيقة الخامسة والأربعين من صباح الأحد، ووصلنا «الأخضر» الساعة الثالثة ، وقرأنا على حجر هناك أن السلطان سليم جدد بناء «القلعة» في شوال سنة 938 [ه، 1532 م] وهي في غرب «الأخضر» ووصلنا بحوله تعالى وحمده «المعظم» آخر حدود بني عطية الساعة الخامسة صباحا، ودخلنا في حدود «عرب بلي» وشيخهم «حمد بو شامة» فنسأل الله السلامة.
وقد رأينا في هذه المحطة دوائر الحكومة، فإذا بها خمس منها، وفي كل دار عدة حجر، وأرضها من المرمر، ولم تنل منها يد التخريب والتدمير ما نالت من غيرها في سائر المحطات، التي يقدر ما ضاع فيها بمئات الألوف من الجنيهات، فاللهم ألهم المسلمين صبرا، وعوضهم عن أموالهم خيرا.
Página 29
الساعة الثانية الرهيبة
من لدغته حية مرة
أصبح مذعورا من الحبل!
دخل الخوف القلوب، واستولى الرعب على النفوس، وصرنا نظن بتأثير الوهم الجبال جمالا، والغزال غزوا، والجنود من الهنود الفارين، بعض أولئك الناهبين السالبين، وإليك مثالا مما اتفق لنا من ذلك:
لم نكد نتعدى المعظم إلى «خشم صنعا» مسافة «26» كم «832- 858» حتى جاءتنا الأخبار، بأن الأعراب قد أناخوا على جانب السكة في «دار الحمراء» على مسافة «27» كم منا، فقلنا حسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
فجرى بنا القطار سريعا، وطفق ينهب المفاوز نهبا، ولكنه لم يجز بضعة كيلومترات، وبعض الجنود فوق سطح القطار، لينظروا من ينحدر إلينا من قمم الجبال، أو يظهر لنا من وراء الآكام والرمال، أو يخرج من بطون الأودية والأوكار، حتى أرسل المهندس إلى الشيخ شلاش يقول: نرى عن بعد رجالا قريبين من السكة، ونرى آثار أقدام مواشيهم، فهل نوقف القطار، أو نستمر على تسييره؟ فأجابه الشيخ شلاش بأنا لا نؤخذ ثانية على غرة، كما جرى لنا في تلك المرة، فالأولى أن نوقف القطار ونخيفهم بعددنا وعددنا، فخرج الجنود شاكي السلاح، وصعدوا سطح القطار مستعدين للكفاح، وطفقوا ينشدون السراب البعيد، وينادون العدو الذي لا يسمع ولا يجيب، وقد كثر الضجيج والنداء، وطبقوا به أرجاء الفضاء،
Página 30
حتى ظننا أنا توسطنا جمعا من الأعداء، ثم مشى بنا القطار على هذه الحال، من الرجيف والوجيف، واللغط والصريخ ، حتى بلغنا دار الحمراء، وحمدنا الله تعالى على السلامة.
وأقبل علينا هناك بدوي يرعى إبل عرب عنزة، فطفق قومنا يسألونه عن مواطن العرب، وهل هم في بعد عنا أو قرب، وقد عرفه خوينا حامد ابن عبد الله، وبعد العناق والتقبيل، أخبره خوينا الخبر، وقص عليه القصص. ثم أرسل لنا الشيخ شلاش يقول: هنا نلقي عصا التسيار، وننزل نحن ومتاعنا من القطار، فنزلنا وأنا ثالث الرفيقين «شلاش وقريبه عبد الله» في هاتيك الأرض المترامية الأطراف القفراء. وودعنا الجنود وسائر الإخوان بالبكاء، وكل منا يدعو لصاحبه بالسلامة، وجرى القطار بهم قاصدا المدينة المنورة، واستأجر الشيخ شلاش من راعي الإبل جملا لحمل أثقالنا إلى حضرة الشيخ سلطان الفقير العربي السنحي، شيخ عرب «عنزة» الذي هو على مسافة ثلاث ساعات من دار الحمراء، من جهة الشرق الشمالي، ودفع له أجرة جمله ليرة ذهبا، وزاده مجيدين إكراما له، فطابت نفسه، وتهلل وجهه، وسقانا من حليب ناقته، ومشى الجمل أمامنا وجرينا نحن وراءه في جبال منفصلة بعضها عن بعض، على أشكال مختلفة، وهي ناصبة ماثلة مختلفة الحجوم، طلعها كأنه رؤوس الشياطين، ولكن حصباء تلك الأرض نقية جدا، وكأنها الدر، بين أبيض وأحمر،
Página 31
وأسود وأخضر، وأرضها كلها ذات رمال، بين هاتيك الجبال.
ولم نزل نجد في سيرنا حتى بلغنا منزل الشيخ بعد الغروب، ومعنا رفيقنا حامد العنزي، فاستقبلنا الشيخ بالمصافحة، وللشيخ شلاش بالتقبيل والمعانقة، وسلامهم لطيف بسيط مشتمل على العناق والتقبيل، وينادي بعضهم بعضا بالأسماء مجردة عن الكنى والألقاب، وقد سلم أحد صبيانهم على حامد الشيخ الذي يناهز السبعين، بقوله كيف أنت يا حامد، عساك طيب يا حامد. وفي نحو الساعة الثالثة ليلا قدم لنا الشيخ الطعام من الرز واللحم، والطعام كان كثيرا جدا، وقد أكل منه من لا أحصيهم عدا، فحيا الله الكرم العربي.
وهذه القبيلة دينة، وقد أدينا مع كثير منهم صلاة العشاء، وشيخهم سلطان الذي هو عميدهم يخاف من الله عز وجل، ويحب أهل العلم والفضل، وقد سر مني كثيرا، والتمسوا مني أن أكون عندهم خطيبا، على أن يقدم لي كل ما يلزم، ويعاملوني كما يعامل أهل العلم، ويزوجوني بنتا من كرائم بناتهم، فشكرت فضلهم وشهامتهم، واعتذرت لهم بأني خطيب ومدرس في الشام، وبأن خطيبتي هناك قريبتي، وأقمنا عند الشيخ وفي ضيافته خمسة أيام، مشمولين بالخير والإنعام، وسررنا هناك بلقاء الشيخ محمد رميح التاجر النجدي، وكنا نكثر من التردد إلى خيمته، وكان يحبني ويكرم وفادتي كل مرة، وأكثرت هناك من الوعظ والإرشاد، والدعوة
Página 32