============================================================
باب معرفة ما يبدأ به العبد من العدة لمقام بين يدي الله تعالى فليكن أول ما تبدأ به من العدة لذلك المقام تقوى الله عز وجل ، في السر والعلانية، ليأمن قلبك في ذلك المقام مع قلوب المتقين ، حين ينجز هم ما وعدهم من الأمن والغبطة والسرور.
وما تركهم اللطيف في الدنيا، مع ما يعطيهم في الآخرة، حتى أنار هم قلوبهم وأعز لهم أنفسهم، وأغناهم به عن خلقه ونعمهم بطاعته، فألزم قلوبهم مع الخوف منه حسن الظن به ، والأنس إلى رجائه، ثم علا ذلك بالشوق إليه جل وعز، وإلى خنته، فنقلهم من المكابدة إلى النعيم بطاعته والسرور بها ، وقنعهم من الدنيا باليسير منها، فطسب فيها عيشهم، وأحسن فيها نصرهم ومعونتهم . وذلك الذي وعدهم فقال عز وجل: {إن اللة مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)(1) .
فهل على من كان الله عز وجل معه بالنصر والمعونة ضيم أو خذلان؟ فهم أعز الخلائق أنفسا، وأنورهم قلوبا، وأغناهم به غنى، وأطيبهم عيشا، حزنهم فيما يسر به الناس، وسرورهم فيما يحزن له الناس، وطلبهم لما يهرب منه الناس (2) ، وهربهم مما يرغب فيه غيرهم من أهل الغفلة والغرة، يستأنسون إذا استوحش الناس؛ إذ كان آنسهم بالله جل وعز وحده استكمالا لمناجاته، فعنده يضعون بثونهم، وإليه يفزعون (3) في حوائجهم، وقد اتخذوه حرزا وجنة (4) وكهفا؛ وثقوا به دون خلقه وانقطعوا إليه عز وجل عن كل قاطع يقطعهم عنه ، فاستوحشوا حين استأنس الناس استيحاشا من الخلائق واستئناسا بربهم.
فهذه مواريث التقوى، الأنها أساس العمل، وأصل الطاعة، وهي أول منزلة العابدين وأعلاها، لأن النوافل بعدها، ولاتقبل نافلة إلا بها ومعها، وهي التي (1) سورة النحل، الآية: 128.
(3) في ط: يضرعون.
(4) الجنة : الوقاية.
(2) في ا: لما يهرب الناس منه.
Página 36