لَقَدْ عَلِمْتَ أَيُّهَا الجَاهِلُ أَنَّ هَذَا تَفْسِيرٌ مُحَالٌ يَدْعُو إِلَى ضَلَالٍ، وَالحَدِيثُ نَفْسُهُ يُبْطِلُ هَذَا التَّفْسِيرَ وَيُكَذِّبُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ أَغْيَظُ حَدِيثٍ لِلْجَهْمِيَّةِ، وَأَنْقَضُ شَيْءٍ لِدَعْوَاهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُقِرُّونَ أَنَّ اللهَ فَوْقَ عَرْشِهِ، فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ، وَلَكِنَّهُ فِي الأَرْضِ، كَمَا هُوَ فِي السَّمَاءِ، فَكَيْفَ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا مَنْ هُوَ تَحْتَهَا فِي الأَرْضِ؟ وَجَمِيعُ الأَمَاكِنِ مِنْهَا، وَنَفْسُ [٣٢/ظ] الحَدِيثِ نَاقِضٌ لِدَعْوَاهُمْ، وَقَاطِعٌ لِحُجَجِهِم.
وَأُخْرَى، أَنَّهُ قَدْ عَقِلَ كُلُّ ذِي عَقْلٍ وَرَأْيٍ أَنَّ القَوْلَ لَا يتَحَوَّلُ صُورَة
لَهَا لِسَانٌ وَفَمٌ، يَنْطِقُ وَيَشْفَعُ، فَحِينَ اتَّفَقَتِ المَعْرِفَةُ مِنَ المُسْلِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ ثَوَابٌ فَيُصَوِّرُهُ اللهُ بِقُدْرَتِهِ صُورَةَ رَجُلٍ يُبَشِّرُ بِهِ المُؤْمِنِينَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ القُرْآنُ صُورَةً كَصُورَةِ الإِنْسَانِ لَمْ يَتَشَعَّبْ أَكْثَرَ مِنْ ألفِ ألفِ صُورَةٍ، فَيَأْتِيَ أَكثرُ مِنْ أَلْفِ أَلْفِ شَافِعًا، وماحِلًا؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ الوَاحِدَةَ إِذَا هِيَ أَتَت وَاحِدًا زَالَتْ عَنْ غَيْرِهِ، فَهَذَا مَعْقُولٌ لَا يَجْهَلُهُ إِلَّا كُلُّ جَهُولٍ.
وَهَذَا كَحَدِيثِ الأَعْمَشِ، عَنِ المِنْهَالِ، عَن زَاذَان، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ﵄، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ تَأْتِيهِ أَعْمَالُهُ الصَّالِحَةُ فِي صُورَة رجل فِي أَحْسَنَ هَيْئَةٍ، وَأَحْسَنَ لِبَاسٍ، وَأَطْيَبَ رِيحٍ فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ كَانَ، فَكَذَلِكَ تَرَانِي حَسَنًا، وَكَانَ طَيِّبًا، فَكَذَلِكَ تَرَانِي طَيِّبًا وَكَذَلِكَ العَمَلُ السَّيئ يَأْتِي صَاحِبَهُ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِك، ويُبَشِّره بِعَذَاب الله».
وَإِنَّمَا عَمَلُهُما الصَّلَاةُ، والزَّكاةُ، وَالصِّيَامُ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَعَمَلُ الآخَرِ الزِّنَا، وَالرِّبَا، وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ المَعَاصِي قَدِ اضْمَحَلَّتْ وَذَهَبَتْ فِي الدُّنْيَا، فَيُصَوِّرُ اللهُ بِقُدْرَتِهِ لِلْمُؤْمِنِ وَالفَاجِرِ ثَوَابَهَا وَعِقَابَهَا يُبَشِّرُ بِهِمَا إِكْرَامًا لِلْمُؤْمِنِ وَحَسْرَةً عَلَى الكَافِرِ.