فانخدع فيروز بكلامه ولم يعلم أن العدو ولو أكثر من الملاطفة لن يكون صديقا قط، وأمر الجيش ليدبروا الماء والعلف لخمسة أيام وحمل قطيعه إلى الصحراء، فلو جلست على وهم الريح فلن تجد لها ساحلا، ولم يكن حتى للجاسوس فكرة وضع قدم النخيل للتجول على ساحتها. ولما انقضت خمسة أيام فلم تبق لخيولهم طاقة ولا ماء، فودع هذا القطيع الحياة، وقال: لقد تحقق غرضى وصار الأمر على ما أريد، فبقى فيروز عشرين يوما بلياليها فى تلك الصحراء، وهلك جيشه كله، وتخلص فيروز مع جماعة قليلة من هذه الورطة، وانثنى عن استيلائه عن ملك خشنوار، وأرسل شخصا لحكم الضرورة واستغفر عن كل ما حدث وطلب العذر، فقال خشنوار: أصطلح معك وأرسلك إلى دار الملك بشرط أن نعين حدا كى لا تتجاوزه، ثم أرسل إليه العلف والعلوفة والخلع، وأمر أن يشيدوا منارة من الجص والحجر، وأقسم فيروز بأنه لن يتجاوز هذه المنارة ولن يتعد وله ما وراء هذا الحد، ثم أرسل فيروز إلى ولايته، وبعد ثلاث سنوات تحركت فى نفس فيروز الرغبة فى الانتقام، وأراد أن ينتقم منه على هذه المعاملة، فجهز الجيش وقصد ولايته، فقال الموابذة والعظماء: إن نقض العهد لا يليق بالملوك، قال: لا أحنث فى يمينى، وساق الجيش ولما وصل إلى هذه المنارة أمر أن تستأصل بحيلة وحملوها أمام الجيش وقال: لقد أقسمت أنى لن أتجاوز هذه المنارة، ولما وصل الخبر إلى خشنوار علم أنه لا يستطيع أن يقاومه، فأمر أن يحفروا خندقا فى الطريق وأن يغطوا رأسه، ولما تقابل الجمعان لحقت الهزيمة بخشنوار وتعقبوه، وسقطوا جميعا فى هذا الخندق وماتوا.
شعر
الظالم الذى أكل الشواء من قلب الفقير
وإذا نظرت فقد أكله من جانبه
الدنيا عسل وكل من أكل منها كثيرا
فإن دمه يكثر ويصاب بالحمى ويلدغ
إن هذه الحكاية عبرت لملوك الدنيا على تربية العبيد الذين حسنت سيرتهم واعتقادهم فى الخوف والرجاء والشدة والرخاء ليجعلوها ترسا يدفعون به سيف الخطوب، وأن يكونوا أوفياء فى حياتهم ومماتهم، وكانت مدة ملك فيروز ثمانية وعشرين سنة.
Página 73