﵁، وقد ثبت الرجوع منهم عن ذلك وروى سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رح قال: اجتمع أصحاب رسول الله ﷺ ﵃ على غسل القدمين، وقالت الإمامية: الواجب مسحهما، وقال محمد بن جرير والحسن البصري رح والجبائي: إنه مخير بين الغسل والمسح، وقال بعض أهل الظاهر: يجب الجمع بين الغسل والمسح، ولم يحتج من قال بوجوب المسح إلا بقراءة الجر وهي لا تدل على أن المسح متعين لأن القراءة الأخرى ثابتة بلا خلاف بل غاية ما تدل عليه هذه القراءة هو التخيير لو لم يرد عن النبي ﷺ ما يوجب الاقتصار على الغسل. أقول: الحق أن الدليل القرآني قد دل على جواز الغسل والمسح لثبوت قراءة النصب والجر ثبوتًا لا ينكر وقد وصف تعسف القائلون بالغسل فحملوا الجر على الجوار وأنه ليس للعطف على مدخول الباء في مسح الرأس بل هو معطوف على الوجوه فلما جاور المجرور انجر وتعسف القائلون بالمسح فحملوا قراءة النصب على العطف على محل الجار والمجرور في قوله: ﴿بِرُؤُوسِكُمْ﴾ ١ كما أن قراءة الجر عطف على لفظ المجرور وكل ذلك ناشئ عن عدم الإنصاف عند عروض الاختلاف ولو وجد أحد القائلين بأحد التأويلين اسما مجرورا في رواية ومنصوبا في أخرى مما لا يتعلق به الاختلاف ووجد قبله منصوبا لفظا ومجرورا لما شك أن النصب عطف على المنصوب والجر عطف على المجرور، وإذا تقرر هذا كان الدليل القرآني قاضيا بمشروعية كل واحد منهما على انفراده لا على مشروعية الجمع بينهما، وإن قال به قائل فهو الضعف بمكان لأن الجمع بين الأمرين لم يثبت في شيء من الشريعة. انظر الأعضاء المتقدمة على هذا العضو من أعضاء الوضوء فإن الله سبحانه شرع في الوجه الغسل فقط، وكذلك في اليدين وشرع في الرأس المسح فقط ولكن الرسول قد بين للأمة أن المفروض عليهم هو غسل الرجلين لا مسحهما، فتواترت الأحاديث عن الصحابة في حكاية وضوئه ﷺ وكلها مصرحة بالغسل ولم يأت في شيء منها المسح إلا في مسح الخفين فإن كانت الآية مجملة في الرجلين باعتبار احتمالها للغسل والمسح فالواجب الغسل بما وقع منه ﷺ من البيان المستمر جميع عمره، وإن كان ذلك لا يوجب الإجمال فقد ورد في السنة الأمر بالغسل ورودا ظاهرا؛ ومنه
_________
١ هذا هو الصحيح من جهة العربية وليس فيه تعسف.
1 / 40