من حديث لقيط بن صبرة رضي الله تعالى عنه المذكور: "إذا توضأت فمضمض". أخرجها أبو داود بإسناد صحيح، وقد صحح حديث لقيط رضي الله تعالى عنه الترمذي رح تعالى والنووي رح تعالى وغيرهما، ولم يأت من أعلّه بما يقدح فيه، وقد ذهب إلى وجوب المضمضة والاستنشاق أحمد رح تعالى واسحق رح تعالى وبه قال ابن أبي ليلى رح تعالى وحماد بن سليمان رح تعالى١، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الاستنشاق واجب في الغسل والوضوء والمضمضة سنة فيهما حكى هذا المذهب النووي رح تعالى في شرح مسلم عن أبي ثور رح تعالى وداود الظاهري وابن المنذر رح تعالى ورواية عن أحمد رح تعالى وقد روى غيره مثل ذلك عن أبي حنيفة رح تعالى والثوري رح تعالى وزيد بن علي رح تعالى وذهب مالك رح تعالى والشافعي رح تعالى والأوزاعي رح تعالى والليث رح تعالى والحسن البصري رح تعالى والزهري رح تعالى وربيعة رح تعالى ويحيى بن سعيد رح تعالى وقتادة رح تعالى والحكم بن عتيبة رح تعالى ومحمد بن جرير الطبري رح تعالى إلى أنهما غير واجبين، واستدلوا على عدم الوجوب بحديث: "عشر من سنن المرسلين" وهو حديث صحيح، ومن جملتها المضمضة والاستنشاق ورد بأنه لم يرو بلفظ عشر من السنن من الفطرة وعلى فرض وروده بذلك اللفظ فالمراد بالسنة الطريقة وهي تعم الواجب لا ما وقع في اصطلاح أهل الأصول فإن ذلك اصطلاح حادث وعرف متجدد لا تحمل عليه أقوال الشارع، وهكذا يجاب عن استدلالهم بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنه بلفظ: "المضمضة والاستنشاق سنة" أخرجه الدارقطني رح تعالى وإسناده ضعيف، والمراد بالسنة في اصطلاح الشارع وأهل عصره ما دل عليه دليل من قوله ﷺ أو فعله أو تقريره، ولهذا جعلت السنة مقابلة للقرآن فهذه اللفظة أعم من المدعى فإنها تطلق على الواجب
_________
١ من الأدلة القوية على وجوب المضمضة والاستنشاق أن غسلهما داخل في غسل الوجه لأنهما عضوان منه وقد واظب عليهما النبي ﷺ فالتحق عمله بالأمر الوارد في القرآن بغسل الوجه بيانًا له. قال الحافظ ابن حجر في الفتح: لم يحك أحد ممن وصف وضوءه ﵊ على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق بل ولا المضمضة وهو يَرد على من لم يوجب المضمضة.
1 / 36