Raising Interests and Wisdom in the Legislation of the Prophet of Mercy ﷺ
رعاية المصلحة والحكمة في تشريع نبي الرحمة ﷺ
Editorial
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Número de edición
العدد ١١٦،السنة ٣٤
Año de publicación
١٤٢٢هم٢٠٠٢م
Géneros
وَمن ذَلِك: جمع الصَّحَابَة الْقُرْآن الْكَرِيم ثمَّ كِتَابَة الْمَصَاحِف وَجمع النَّاس على مصحف وَاحِد، دفعا لمفسدة اخْتِلَاف النَّاس وتفرقهم وتنازعهم وَرُبمَا تَكْفِير بَعضهم بَعْضًا الَّتِي هِيَ أعظم من مصلحَة التورع بإبقاء الْحَال فِي ذَلِك على مَا كَانَت عَلَيْهِ فِي عَهده ﷺ.
وَمن ذَلِك - أَيْضا - اقْتِدَاء ابْن مَسْعُود برَسُول الله ﷺ فِي تخول النَّاس بِالْمَوْعِظَةِ - كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أبي وَائِل - قَالَ: كَانَ عبد الله يذكر النَّاس فِي كل خَمِيس: فَقَالَ لَهُ رجل: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن لَوَدِدْت أَنَّك ذكرتنا كل يَوْم قَالَ: أما إِنَّه يَمْنعنِي من ذَلِك أَنِّي أكره أَن أَملكُم، وَإِنِّي أتخولكم بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِي ﷺ يَتَخَوَّلنَا بهَا مَخَافَة السَّآمَة علينا١.
وَمن هَذَا الْبَاب - أَيْضا - مَا حُكيَ عَن عمر بن عبد الْعَزِيز ﵀ أَن ابْنه عبد الْملك قَالَ لَهُ: "مَالك لَا تنفذ الْأُمُور؟ فوَاللَّه مَا أُبَالِي لَو أَن الْقُدُور غلت بِي وَبِك فِي الْحق؟ " قَالَ: "لَا تعجل يَا بني، فَإِن الله ذمّ الْخمر فِي آيَتَيْنِ وحرمها فِي الثَّالِثَة، وَإِنِّي أَخَاف أَن أحمل الْحق على النَّاس جملَة فيدمغوه جملَة وَيكون منا ذَا فتْنَة"٢.
وَمن ذَلِك مَا قَرَّرَهُ الْعلمَاء فِي بَاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر من اعْتِبَار الْمصَالح والمفاسد فِي ذَلِك والحرص على تقديرها قبل الهجوم بِالْأَمر أَو الْإِنْكَار: قَالَ الإِمَام ابْن تَيْمِية ﵀ فِي رِسَالَة الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر: "وَإِذا كَانَ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر من أعظم الْوَاجِبَات والمستحبات، ولابد أَن الْمصلحَة فِيهَا راجحة على الْمفْسدَة إِذْ بِهَذَا بعثت الرُّسُل وَنزلت الْكتب وَالله لَا يحب الْفساد، بل كل مَا أَمر الله بِهِ هُوَ صَلَاح وَقد
_________
١ - البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح ١ / ١٦٢، ١٦٣.
٢ - الموافقات ٢ / ٩٣ - ٩٤.
1 / 216