قلت: ففي الحديث دلالة قاطعة على بطلان دعوى فناء النار لأنه جعلها كالجنة من حيث خلود أهلها فيما هم فيه من العذاب إلى الأبد فكما أن الجنة لا تفنى أبدا فكذلك النار لا تفنى أبدا وكل ذلك واضح بين إن شاء الله تعالى
بعد هذا أعود فأقول: عن ما تقدم من الآيات والأحاديث صريحة في الدلالة على بطلان القول بفناء النار فكيف ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وانتصر له تلميذه ابن قيم الجوزية؟
فأقول: إن أحسن ما أجد في نفسي من الجواب عنهما إنما هو أنه لما توهما أن بعض الصحابة قد ذهبوا إلى ذلك وهم قدوتنا جميعا لو صح ذلك عنهم رواية ودراية ولم يصح كما سيأتي بيانه عند المؤلف الصنعاني ﵀ واقترن مع ذلك غلبة الخوف عليهما من الله ﴿ولمن خاف مقام ربه جنتان﴾ (١) والشفقة على عباده تعالى من عذابه وغمرهما الشعور بسعة رحمته وشمولها حتى للكفار منهم وساعدهما على ذلك ظواهر بعض النصوص ومفاهيمها فأذهلهما ذلك عن تلك الدلالة القاطعة وقالا ما لم يقل أحد قبلهما وما أرى لهما شبها في هذا إلا ذلك المؤمن الذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ليضل عن ربه فلا يقدر على تعذيبه زعم كما قال ﷺ َ:
(صحيح) (قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله: إذا مات فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم به فأمر الله البر فجمع ما فيه وأمر البحر فجمع ما فيه ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر الله له)
أخرجه الشيخان وغيرهما عن جمع من الصحابة منهم أبو هريرة وهذا لفظه
_________
(١) سورة الرحمن الآية (٤٦)
1 / 21