وقوله في الكيد استدرجهم سبحانه من حيث لا يعلمون، وقوله في المنافقين: { يخادعون الله وهو خادعهم } [النساء: 124]. وقوله سبحانه في الإستهزاء: { الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون } [البقرة: 15]، فإنما يريد تركه لهم وتأخيره إياهم وهم عاصون، لاما ظنه ابن المقفع بالله كذبا، ولا استهزاء يكون من الله لعبا، كقول قوم موسى إذ قال لهم، صلى الله عليه وسلم: { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة، قالوا أتتخذنا هزؤا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين } [البقرة: 67]. فهذا الاستهزاء إذا كان كذبا ، وقول الخادع فإذا كان لعبا، فإلى المخلوق يضاف وينسب، لا أنه هو الذي يلهو ويلعب، فهذا وجه الاستهزاء منه والخداع والمكر، لاما يذهب إليه كل عمي ضيق العلم والصدر. وإذا قيل له سبحانه يرضى أو يحب، أو يأسف أو يسخط أو يغضب، فإنما ذلك إخبار عن أقدار الطاعة والعصيان، وجزاء الإساءة عنده والاحسان، لا يتوهم مع ذلك ضمير مسكون، ولا حركة منه في رضى ولا سخط ولا سكون، وكيف يكون عندنا غير هذا وهو عندنا - ويله - { الله لا إله إلا هو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } [الشورى: 11]. { الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم } [الحشر: 24].
وأما قوله: فما باله جزع في غير كنهه من عمل يديه.
فهي أخوات قوله: انقلب وافتخر وانشأ التي لا تخرج إلا من بين جنبيه، ومتى زعم - ويله - أنا أخبرناه أنه جزع، أو سخط أو كره أو عاب شيئا مما صنع ؟!
وأما قوله: ابتدع الأشياء مما كان هاذيا فيه.
وهذا من قوله في الأشياء، فقول فاسد ليس يقرأ، إلا أنا أديناه عنه لحفظه، وكرهنا تبديله إذ حكيناه عن لفظه.
Página 172