فإن قال: ألآ خلق الناس أبرارا ! ومنعهم أن يكونوا أشرارا ! فمسألة من سأل عن هذا محال، وليس لأحد علينا في هذا مقال، لأنه إنما يكون البر برا، ما فعله فاعله متخيرا، فأما ما جبر عليه صاحبه جبرا، فلا يكون منه خيرا ولا شرا.
وفيما قال:أن يكون الانسان إنسانا لا إنسانا، والاحسان إحسانا لا إحسانا، لأن الانسان لا يكون إنسان إلا وهو مملك مختار، والاحسان لا يكون إحسانا إلا ولم يحمل عليه اضطرار.
وأما قوله (في ظفر أعدائه، في بعض الحالات على أوليائه)، فليس ويله بموجود من قولنا صحيح، يعلمه كل أعجمي منا أو فصيح، أن أوليائه لم تغلب إلا بنصره، ولم تغلب إلا بمخالفتهم أو بعضهم لأمره، والدليل على ذلك أنه لما أمسك عنهم نصره لما كان من عصيانهم، كان ذلك هو بعينه سبب خذلانهم، وأنه من فقد سبب، ما به الغلبة غلب، وأنه غير مستنكر ذلك من فعال حكيم يملكه، أن يعصيه من أعطاه إياه فيمسكه، فيفقد فيه من نصره ما كان يجد، ويتغير الأمر به إذا عصى عما كان يعهد، فمتى نصر الله له وليا فبرحمته، أو تركه من النصر فبضرب من معصيته، وهذا من الأمر فلا يزول به عن قدير قدرة، ولا تفسد معه لحكيم حكمة، بل الحكمة معه قائمة موجودة، والأفعال فيه منه عدل محمودة . ألم تسمع حكيم الحكماء، وأقدر قادري العظماء، يقول في هذا من نصره وخذله، وقدرته سبحانه وعدله، { إن ينصركم الله فلا غالب لكم، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون } [آل عمران: 160] .
يخبر عن أنه متى حبس عنهم نصره، حل مع حبسه خذله، فمن لم يخذله سبحانه فأولئك هم المنصورون، ومن خذله فلم ينصره فأولئك هم المبتلون، فما في هذا مما ينكره عقل، أو يفسد فيه من الله فعل، سبحان الله ما أحق في من جهل هذا شبه البهائم ! التي مثلها جل ثناؤه بأهل الجرائم .
Página 153