نعم وكذلك يقول في الله فليعقل قولنا فيه من سمعه، ممن لم يتبع ابن المقفع وممن تبعه، فقد يعلم كل أحد أن الواحد لا يكون واحدا، عند من أثبت له ندا وضدا، وأنه متى كان معه غيره، ضده كان ذلك أو نظيره، زال أن يكون معنى الواحد المعلوم ثابتا، ويعلم كل أحد أنه لا يكون ذو الأجزاء إلا أشتاتا، ولا تكون أبدا الأشتات إلا كثيرا، ولا تكون أجزاء إلا كان بعضها لبعض نظيرا.
أو ليس معلوما معروفا أن من وراء كل غاية غاية، حتى ينتهي المنتهي الذي ليس من ورائه غاية ولا نهاية، وأنه إن كان مع غاية غاية، أو بعد نهاية عند أحد نهاية، فلم تصر بعد إلى غاية الغايات، ولم ينته عقله إلى نهاية النهايات، وأنه يصير بالعظمة عند النظر من عظيم إلى عظيم، حتى يقفه النظر على غاية ليس وراءها مزيد في تعظيم.
وكذلك الأمر في كل معلوم أو مجهول، حتى ينتهي إلى الله الذي لا يدرك إلا بالعقول، فيجده كل عقل سليم، وفكر قلب حكيم، واحدا لا اثنين، وشيئا لا شيئين، عظيم ليس من ورائه عظيم، وعليم ليس فوقه عليم، ذلك الله الرحمن الرحيم، الواحد الأول القديم، القدوس الملك الحكيم، الذي لا تناويه الأعداء بمقاتلة، ولا تكافيه الأشياء بمماثلة، وهو الله الذي لم يلد ولم يولد، والصمد الذي ليس من ورائه مبتغى يصمد، غاية طلب الخيرات، ونهاية النهايات، وإذا صحح حجتنا في هذا صوابنا، فهو لمن سأل عن وحدانية الله جوابنا.
فأما ما ذكر بعد هذا من القيل، فحشو مسربل بهذيان الفضول، ليس له مرجوع نفع، ولا يحتاج له إلى دفع.
أرأيتم حين يقول: انقلب عليه خلقه الذين - زعم - هم عمل يديه، ودعاء كلمته، ونفخة روحه، فعادوه، وسبوه وآسفوه، وأنشأ تعالى يقاتل بعضهم في الأرض، ويحترس من بعضهم في السماء بمقاذفة النجوم، ويبعث لمقاتلتهم ملائكته وجنوده.
Página 148