السابع: أنه قد أخبر أن رحمته وسعت كل شيء، وأنه ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ (١)، وقال: "سبقت رحمتي غضبي" (٢) "وغلبت رحمتي غضبي" (٣) .
وهذا عموم، وإطلاق، فإذا قدر عذاب لا آخر له، لم يكن هناك رحمة البتة.
الثامن: أنه قد ثبت مع رحمته الواسعة أنه حكيم، والحكيم إنما يخلق لحكمته العامة، كما ذكر حكمته في غير موضع "١٠ - أ" فإذا قدر أنه يعذب من يعذب لحكمة كان هذا ممكنا، توجد في الدنيا العقوبات الشرعية فيها حكمة، وكذلك ما يقدره من المصائب فيها حكم عظيمة، فيها تطهير من الذنوب، وتزكية للنفوس، وزجر عنها في المستقبل للفاعل ولغيره، ففيها عبرة، والجنة طيبة لا يدخلها إلا طيب، ولهذا قال في الحديث الصحيح: "إنهم يحسبون بعد خلاصهم من الصراط على قنطرة بين الجنة والنار، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة" (٤) .
والنفوس (٥) الشريرة الظالمة التي ردت إلى الدنيا قبل العذاب لعادات لما نهيت عنه لا يصلح أن تسكن دار السلام التي تنافي الكذب والظلم والشر، فإذا عذبوا بالنار عذابا يخلص نفوسهم من ذلك الشر كان هذا معقولا في الحكمة كما
_________
(١) سورة الأنعام، الآية: ١٢.
(٢) هذا الحديث القدسي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في عدة ومواضع: انظر "صحيح البخاري" مع شرحه "فتح الباري" كتاب التوحيد باب: ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ ١٣/٤١٥ وباب قوله الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا﴾ ١٣/٤٤٧، وأخرجه الإمام مسلم في المصدر الآتي.
(٣) هذا الجزء من حديث قدسي أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه - كتاب التوبة باب - في سعة رحمة الله ٤/٢١٠٤ حديث رقم ٢٧٥١.
(٤) الحديث أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" كما في "فتح الباري" الحديث رقم ٢٤٤٠، ٦٥٣٥.
(٥) في صلب الأصل "النفس" ومصوبة بالهامش "النفوس".
1 / 82