لا نبالي من لحا في شربها ... أبدًا حتى يوافي مصرعه
قال: فيئس أبوه من صلاحه وفلاحه فأعرض عن ذكره.
وشرب رجلٌ في بيت خمارٍ فأصبح ميتًا، فقيل للخمار: أنت قتلته، قال لا والله، ما قتلته إلا شربُهُ على غير طعامٍ.
وكان والبة بن الحُباب من كبار المدمنين، لو قلتُ إنه سنَّ الفتوَّةَ وشرع المنادمة لقلت حقًا، وهو الذي يقول:
وندمانٍ يزيد الكأسَ طيبًا ... حليمٍ عند طيشِ ذوي الحُلوم
دعوت (لليلةٍ) وثنيتُ أُخرى ... بتغذية الخؤلة والعموم
فقلت ألا اصطبح، أصبحتُ إلاَّ بقايا غابر الليل البهيم
معتقةٌ كأن المسكَ فيها ... محرَّمة على الرّجُلِ اللئيمَ
وحسبُكَ بي، بها خبرًا وعلمًا ... ملأتَ يديك من رجلٍ كريم
وكان لوالبة إخوانٌ مثلُهُ في الفتوة والظرف وإدمان القصف واللهو قد خلعوا العِذار وأنفقوا الطارف والتليد، منهم، عُباد بن عُباد الذي يقول فيه:
عُبادُنا أطيبُ الخلائق لا الغادر يومًا إذا هُمُ غدروا
أصبحت؛ ماذا بالسكر تنتظرُ ... دونكها قد تبلَّجَ السَحَرُ
دونكها يا عُبادُ صافيةً ... كأنها في الزجاجة الشَّرَرُ
ومنهم مسعود بن عمرو وعمرو، اللذان يقول فيهما:
لما رأيتُ الصبح قد لاحا وأقبل الفجر وقد لاحا
نبهتُ مسعودًا وعَمْرًا لها ... فقلتُ قُوما فاشربا الرّاحا
كرخيَّةً كالمسك معشوقةً ... يحسبها الشارب تفاحا
ومنهم أبو الغرثان حفص بن غيلان الذي يقول فيه:
قلت لما بَرَق الفجر وأبصرت الصباحا
ورأيت الديكَ قد أكثر في الصبح الصياحا
أسقِ حفصًا يا أبا الغرثان من كفيكَ راحا
قهوةً أذكى من المسكِ ... إذا ما المسكُ فاحا
مُرة تأبى إذا ما ... مُزجت إلا جماحا
ومنهم عبد الله بن عمرو، الذي يقول فيه: ونديم حُلوِ الشمائل كالدينار محض النجار سهل مُصَفَّى قلت عبد الإله قم بأبي أنت، فلبىَّ، فقلت لبيكَ ألفا هاكها، قال: هاتها، قلت: خذها [قال لا أستطيعها] ثم أغفى.
ولو لم يكن من ظرف والبة إلا أنه أُستاذُ أبي نواسٍ لكفاه.
وناهيك بالحسين بن الضحاك وأبي نواسٍ في صنعة الخمر ونعتها وفي الإدمان لشربها، والحضِّ على المثابرة عليها، ووصف المجالس وما فيها، والسقاةِ وبراعة جمالها و[آنيتها] واختلافِ نعوتها والحاناتِ ومن يُلِمُّ بها والخمارين ومسامحةِ بعضهم في بيعها، ومغالاة بعضهم فيها، قال الحسين:
وندمان صدقٍ لا ترى بين جهرِهِ ... وبين الذي تخفي سريرتُهُ فرقا
تنبَّه للناقوس أَوَّلَ نقرةٍ ... ولم تبقَ لذات الكرام له عِلقا
أتانا بها زيتية ذهبية ... كأنَّ حبابا دُرّها، حدقًا زرقا
وهو القائل:
ومهفهف نازعتُ فضلَ وشاحه ... وكسوتُهُ من ساعديَّ وِشاحا
ما زال يَضْحَكُ [بي] ويضحكني به ... لا يستفيق دُعابة ومزاحا
وعواتِقٍ باكرت بين حدائقٍ ... ففضضتهن وقد عَيِين صِحاحا
أتبعتُ وخزة تيكَ وخزةَ هذه ... حتى أنتزفت دماءَهن جراحا
ولربَّ ملتبسِ الجفون بسكرةٍ شرّدتْ عنه منامه فأنزاحا
فكأَنَّ رَيَّ الكأس حين ندبتُهُ ... للشرب أنهض في حشاه جناحا
وقال إسحق بن إبراهيم: كان الأخطل نازلًا على عكرمة الفيّاض فإنه خرج من عنده يومًا فمر بفتيانٍ يشربون، وعندهم قينة يقال لها شقراء، فأقام عندهم أيامًا، فلما أتى عكرمة، سأله أين كان فأخبره بخبره فبعث [إلى الفتيان] بألف درهم وأعطاه خمسة آلاف، فمضى بها إليهم وقال: أستعينوا بهذه على أمركم ولم يزل ينادمهم حتى رحل وقال:
لعُمركَ ما لاقيتُ يوم معيشةٍ ... من الدهر إلا يوم شقراء أقصرُ
حواريةٌ لا يدخل الذمُّ بيتها ... مطهَّرةٌ يأْوي إليها مطهَّرُ
1 / 30