وصمت قليلا ثم قال في حياء وتأثر: قالت لي بهدوء ولكن بصوت متهدج وعينين شارقتين بالدمع «تقبل رثائي ولكن ما باليد حيلة.» فقلت لها «أنا مقتنع بأنني مخطئ»، فقالت: «لا شك في ذلك، أوتيت حكمة كبيرة في وقت لم تكن في حاجة ملحة إليها، وفقدتها في ساعة الحاجة إليها، ربنا معك.»
تخيلنا بأسى شديد الزوجة التعيسة التي هجرها زوجها بعد أن تنكر لها زمانها وتركها نفاية. وقال صادق صفوان: لا شك أنها تتجرع من المرارة ما لا يتصوره أحد، رأيت إحسان في حال مثلها رغم وضوح عذري وقوته.
لكن السعادة استخفته وجرفت في طريقها المشاعر المترددة. يبدو أحيانا كطفل بريء فيذكرنا بأيام نصره الخيالية، وقال لنا على سبيل الاعتذار: لا يوجد في دنيانا شيء صحيح سليم، فلماذا أطالب أنا بذلك؟
ولأول مرة تخالفه درية وتدين قراره، قالت له: بابا، ما كنت أتصور.
فقال لها باسما: إنه شيء طبيعي ويحدث كل يوم.
فقالت برقة: وماما؟ نحن مطالبون بالوفاء وهو جميل كالحب.
أعاد علينا حوارها بفخار خفي، ولكنه مضى في سبيله باندفاعه المعروف عنه منذ قديم، وقال لنا كالمعتذر: الحب هو الحب، ولدى حضوره تتلاشى القوى المضادة جميعا في غمضة عين.
وواجهته - وهو يبحث عن عش الزوجية الجديد - مشكلة لم نعرفها في زماننا الأول وهي العثور على شقة، ولكن حلها لم يكن مستعصيا، فبعد تعب غير قليل وجد شقة في الجيزة بإيجار حديث مرتفع وبلا خلو، واستقبل حياته الجديدة كأنما يدخل دنيا لأول مرة، ولم تسعده أنوار بالحب وحده ولكنها أنعشته بذكائها وصداقتها وعشقها الصادق للثقافة، بالإضافة إلى تذوقها العميق لشعره، قال لنا ذات ليلة: إنها تصلح أن تكون عضوا في مجلسنا هذا!
وقررت تأجيل الحمل فسره ذلك جدا، ولكنه لم يعرف لها انتماء سياسيا، فهي تسمع وتقرأ ولا تصدق ولا تهتم، ويتركز وعيها في الشعر ونقده ومحاولة قرضه أحيانا، ولما باح لها بناصريته قالت له: لن تعثر على جدية حقيقية إلا في التيار الديني.
فسألها منزعجا: أهذا إعجاب؟ - أبدا، إنهم وحدهم يقفون على أرض صلبة في محيط يمور بالاضطراب والفساد.
Página desconocida