فوقى لمفتخر في الجود مفتخر
9
من آل طولون، لا يحسب وراء فوقه فوقا ... لا يا أبا إسحاق، فما أظنه إلا قد نظر إلينا بالعين التي كان أبوه ينظر بها إلى بعض مواليه: ويرى كل همهم شهواتهم، فيؤثرهم بخير جواريه؛ ليقيدهم بإحسانه على الطاعة، ويغلبهم على أنفسهم بالمرأة، وإن في آل طولون تسلطا وإمارة، وأحسبه قد قدر أن الخلافة ستصير يوما إلى ولدي علي المكتفي، وهو على ما به من الضعف والعلة، فلعله قصد أن تصير ابنته إلينا؛ لتكون في قصر الخلافة يومئذ أميرة المؤمنين، وتصبح الخلافة طولونية في بغداد، وقد أبيناها لعهد أبيه أن تكون عباسية في مصر.
10
قال ابن حمدون النديم: «ويوصي بي مولاي يومئذ إلى أميرة المؤمنين، فتجعلني عينا على جواري القصر في خلواتهن، وأمينا على خزائن الثياب والطيب.»
ورفت ابتسامة على شفاه القوم، وعبس المعتضد ورفع يحيى بن علي رأسه يهم بكلمة، وابتدر أبو العباس المعتضد قائلا: «والله لا يكون لخمارويه شيء مما أمل.»
وتنفس القوم نفسا عميقا، وبدت أمارات الارتياح والرضا في وجه أبي بكر القرشي مؤدب الخليفة، وصمت القاضي أبو محمد البصري فلم ينبس بحرف.
ودخل غلام الخليفة يؤذنه بمقدم أبي عبد الله بن الجصاص رسول خمارويه فأذن له وظل القوم جلوسا على مراتبهم، وقد تعلقت أنظارهم بالخليفة، ينتظرون ما يكون جوابه إلى الرسول الماثل بين يديه، وقال المعتضد لابن الجصاص بعد فترة: «قل لمولاك إننا قد قبلنا هديته وشكرنا له، وقد أراد أن يتشرف بنا فخطب ابنته إلى ولدنا أبي محمد المكتفي، وإن خمارويه لحقيق بهذا الشرف وزيادة ... أنا أتزوجها.»
ووجم القوم وفغرت أفواههم من الدهشة، واستمرت أنظارهم عالقة بالخليفة لا تكاد تطرف، وقال القاضي أبو محمد البصري، وقد شاعت في وجهه ابتسامة راضية: «بورك لمولاي أمير المؤمنين في صهره.»
وتحولت أنظار الجماعة إلى القاضي منكرين على أنفسهم ما سمعوا وما رأوا، واستأذن ابن الجصاص يهيئ رواحله لسفر بعيد ...
Página desconocida