وأقبل الشبان الثلاثة على أحمد يحادثونه، وحاولوا أن يبتعدوا بحديثهم عن العواطف، وعن السياسة، وعن التحقيق، فلم يجدوا إلا كلاما أجوف وقع في نفس أحمد موقعا حلوا، لقد كان يدري ما يدور في نفوسهم، وكان يقدره.
قص حسام عليه ما صنعه في البلد، وما ضاق به فيها، وما سره، وقص عليه السيد أمر عروسه وفرحها بأنها ستأتي إلى مصر، ووقف جعفر يعلق على الحديث جميعه، محاولا المرح، ما أتاحت له نفسه هذا المرح، حتى جاء الحاجب آخر الأمر يستدعي أحمد للتحقيق الذي سبقه إلى غرفته محاميه مصطفى باشا. وقال الشبان لأحمد: إنهم منتظرون، وودعته أمه وأبوه بدعوة تتصاعد إلى السماء من عيونهم، ومن دموعهم، وقال له وصفي باشا: كن كما أنت الآن يا أحمد.
ودخل أحمد غرفة التحقيق.
وحاولت سهير أن تعود إلى مجلسها، ولكن وصفي وسليمان والشبان أقنعوها أن التحقيق سيطول، وأنها لا تستطيع الانتظار، وكانت الأم في حال لا تحتمل معها كثرة اللجاج أو العناد فخضعت، وخرجت يصحبها سليمان ووصفي.
مكث الشبان الثلاثة ينتظرون نتيجة التحقيق ومر بهم ضابط بوليس دخل غرفة التحقيق، ومكث بها بعض الحين، ثم خرج واتخذ لنفسه كرسيا بجانب باب الغرفة.
وبعد ساعات طويلة انتهى التحقيق، وخرج أحمد وانضم إليهم والإشراقة لا تزال ماثلة في وجهه، تشيع الاطمئنان حوله، وتبعث به دافئا إلى قلوب إخوانه، وسألوه عما دار بالتحقيق، فأنبأهم بأنه لا دليل لدى النيابة ضده.
وقال السيد عبد البديع: أنا واثق أن التحقيق سيحفظ، لقد حفظ التحقيق مع فوزي عبد المجيد، ولكن ...
ولكنه لم يكمل الجملة، وكأنما أحس أنه ما كان له أن يذكر اسم فوزي، أشعره بذلك هذا الوجوم الذي لصق بوجه حسام، ولكن أحمد كان مصغيا للحديث باهتمام، فهو يقول لسيد محاولا أن يخفف عنه الحرج الذي وضحت آثاره عليه: إذن فالقضية جميعها لا دليل فيها، أنا واثق من ذلك، لقد أرحتني يا سيد، لأنك بشرتني بأنني سأخرج.
وقال السيد في إطراق: إن شاء الله!
وقال أحمد: يا أخي، ليست هذه لهجة المتفائل، ألم تقل إن فوزي قد أفرج عنه؟!
Página desconocida