وحين أصبح حسام في الغرفة أقفل أبوه عليه الباب، وعاد إلى حجرته دون أن يلتفت إلى زوجته أو ابنته، ونظرت سميحة إلى نوال، والتقت بعينيها نظرات ابنتها حسيرة، وفهمت كلتاهما ما يدور بنفس الأخرى، فجرت الدموع في عيونهما.
وتذكرت نوال التليفون الذي كانت ممسكة بسماعته حين جاء حسام ... أو حين جيء بحسام، فنظرت إلى حيث تركت السماعة، ولكنها لم تتحرك، فقد أدركت أن هناء لا يمكن أن تظل منتظرة طوال هذه المدة.
ونظرت الأم حيث نظرت ابنتها، ثم أطرقت وعادت إلى زوجها ولم تجد نوال شيئا تفعله، فعادت إلى السماعة، وهمت أن تضعها على الحامل لولا أنها سمعت: آلو. - آلو. - ماذا جرى يا نوال؟ - هناء ... هناء.
وانخرطت نوال في بكاء غزير الدموع، وهناء على الطرف الآخر لا تزال تلح عليها أن تطمئنها.
وأخيرا قالت نوال: إنه ما فعلته بنا يا هناء، إنه ما فعلته بنا ... - أنا؟ - نعم، أنت، ويا ليتك سعدت، إذن لارتحت أنا بعض الشيء، وعزيت نفسي عن شقاء أخي بسعادتك أنت، ولكنك حتى لم تسعدي نفسك يا هناء، وتأبين إلا أن تزيدي شقائي فلا تجدي إلا أنا، لتبثيها ما تلاقينه من زوجك وأهله، أنا وحدي في العائلة التي أتحمل الشقاء شقاءين، شقاء أخي بك، وشقاءك أنت بغير أخي.
ولم تر نوال الدموع الجارية على خدي هناء، ولم تحس النار اللاهبة التي ازدادت اشتعالا في نفس بنت خالتها التي اتخذتها أختا، لا لم تر نوال الدموع، ولا أحست النار، أو لعلها أحست وميضا خابيا من هذه النار، حين طرقت أذنها سماعة هناء، وهي تستقر في مكانها من الحامل منهية الحديث.
الفصل السادس والعشرون
قام فوزي من نومه مبكرا، شأنه كل يوم، فوجد زوجته قد صحت وجلست تنتظره، لتتناول معه طعام الإفطار، وحين جلسا إلى المائدة قال فوزي: ماذا ... فول؟ - نعم، وما عيب الفول؟ - كل يوم! بعض الرحمة. - إني أقدمه لك أحيانا في الفطور ومعه أصناف أخرى ... كفرت؟! - يا ستي أنا لم أقل شيئا، وهل أستطيع أن أقول شيئا؟ فكله من خيرك، إن كان فولا فأنت من تدفعين ثمنه، وإن كان قشدة فأنت من تدفعين ثمنها، هل أستطيع أن أتكلم؟ - ما معنى هذا الكلام؟ إنك دائما تعيرني بأني أدفع ثمن الأكل، ماذا تريدني أن أفعل؟ يا أخي قل لي ما تريدني أن أفعله وأنا أنفذ! - يا ستي العفو، وهل أستطيع؟ إنما يأمر الرجل الغني الذي يستطيع أن يدفع ثمن ما يطلبه. - يا أخي مرني ولا تدفع، ولكن فقط لا تنكد علي عيشتي كل هذا النكد، ماذا جنيت؟ - يا ستي ماذا أكون أنا حتى أنكد عليك؟ العفو العفو!
ولم تستطع هناء أن تكمل طعامها، بل إنها لم تستطع أن تبدأه، فقامت عن المائدة مغضبة وهي تقول: لا، لا أستطيع ... لا يمكن.
وأسرع فوزي قائلا: خادمتك ... أمي ستأتي اليوم، فأرجو أن تتكرمي بإعداد شيء لها.
Página desconocida