وقطع وصفي افتعاله في جمود: اسمع، هات الفلوس.
وامتقع وجه سليمان: ماذا؟ - أقول هات المبلغ. - ولكنه ليس معي. - إنه معي أنا. - لا أفهم. - لقد دعوت إحسان، وهو قادم الآن، وقد أعددت له المبلغ، وسأعطيه له الآن، فاكتب أنت لي شيكا بالمبلغ، الآن. - أكتب شيكا؟! - نعم. - ولكن ليس معي دفتر الشيكات.
فقال وصفي في حزم صارم تمور فيه ثورة وتهديد: سليمان، اكتب الشيك على ورقة بيضاء.
وفهم سليمان كل المعاني التي تصاحب هذا الأمر، فسارع يكتب الشيك مذعنا، وما إن فرغ من كتابته، حتى جاء الخادم يعلن قدوم إحسان بك، فأذن له وصفي ودخل، وما كاد يجلس حتى أخرج وصفي من جيبه ظرفا وأعطاه لإحسان قائلا: خذ هذا. - ما هذا يا باشا؟ - الرشوة التي دفعتها لسليمان.
وتلاقت عيون إحسان وسليمان، ثم أطرق إحسان خجلا قائلا: ولكنها ليست رشوة يا باشا. - اسمع، إما أن تأخذ المبلغ، فأعتبر المسألة كأن لم تكن، وأجعل طلب الترعة الذي تقدمت به يسير في طريقه الطبيعي بلا عرقلة ولا محاباة، وإما أن ترفض قبوله، فاعلم أن الترعة لن تشق أرضك ما دمت أنا على وجه الحياة.
ووضع إحسان المبلغ في جيبه في تخاذل، وهو يقول: أمرك يا باشا. - على ألا تعود إلى هذا يا إحسان بك. - أمرك يا باشا. - شكرا. - تسمح بالانصراف؟ - لا مانع.
وخرج إحسان دون أن يدعوه وصفي ليشرب القهوة، فقد رأى فيه صورة بشعة تشبه المرأة الداعرة التي تغري الشباب بالخطيئة، وحين أراد سليمان أن ينصرف استبقاه وصفي ليقول له: أتذكر حديثا بيننا منذ سنوات بعيدة، بعيدة جدا، حين جئت لتطلب أول درجة ارتقيتها في سلك الحكومة.
ونكس سليمان رأسه قائلا: نعم أذكر.
وقال وصفي في حزم: حسنا، فأنا لا أحب أن أعيد هذا الحديث ثانية، وبطبيعة الحال لا لزوم أن تعرف سهير شيئا من هذا، فمرض القلب الذي تعانيه لا يحتمل هذه الأزمات، قل لها إذا سألتك عما أردتك فيه ... قل لها إنني ... إنني ...
وداخل صوته شيء من السخرية وهو يقول: قل لها إنني أردت أن أبلغك رضاء الوزير عنك.
Página desconocida