وثاني يوم وصولهم إلى بعلبك ذهبوا لمشاهدة قلعتها القديمة؛ وهي تعد من أعجب مباني الدنيا - موقعها إلى غربي المدينة - وأشهر شيء يرى منها من السهل رواق مؤلف من ستة أعمدة، وقسم من جدران هيكل كبير، وجدران وأعمدة هيكل أصغر واقع إلى أسفله، والطبقة السفلى - التي جعلت عليها الأبنية العظيمة - فهي بناء متسع الدائرة، جدرانه مبنية بحجارة كبيرة منحوتة محكمة الوضع، يحتوي الجانب الغربي منها 3 أحجار كبيرة جدا، طولها جميعا 190 قدما، وطول أكبرها 64 قدما عن الأرض، فوقفوا حينا يتأملون ذلك المشهد العظيم، ثم دخلوا إلى رواق طويل من الجهة الشرقية، ينتهي إلى دار مسدسة الزوايا فأخرى مربعة، وعلى جانبيها مخادع كثيرة، وأمامها أعمدة ضخمة مزينة بنقوش متقنة، فساروا منها إلى الهيكل الكبير، فشاهدوا في داخله كثيرا من الآثار والنقوش، ومعظمها قد لعبت به أيدي الخراب، ولم يزل إلى اليمين واليسار عمودان ضخمان مجوفان، في جوف كل منهما درج لولبي يدخل إلى أحدهما من خرق؛ زحفا على البطن، داخله 69 درجة، تؤدي إلى أعلى الهيكل.
فتركوه، وساروا برفقة الأدلاء إلى هيكل الشمس، وكانوا قد مضى عليهم نحو أربع ساعات، وهم يتنقلون بين تلك الخرابات، فانتهوا إلى باب الهيكل، وكان التعب قد أثر فيهم، فجلسوا على حجارة كانت هناك مبعثرة، ينبئ وجودها عما فعلته يد الدمار، وتناول كل منديله، وجعل يمسح العرق عن جبهته.
ثم نظروا إلى ذلك الباب، وهو غلق قائم الزوايا، قائمتاه حجران يغشيهما نقوش من الأزهار، والأكاليل، والملائكة، ونحوها، وقد نقش على عتبته صورة نسر في مخلبه صولجان، وفي منقاره أكاليل من ورق الأشجار والأزهار، جعلت أطرافها من الجانبين بيد ملاكين، فسروا بتلك المشاهدة البديعة، وخرجوا من القلعة معجبين بما ترك الأولون للآخرين.
وبعد أن أقاموا بضعة أيام في بعلبك، عادوا إلى زحلة، ومنها إلى دمشق بعد أن مروا على كثير من القرى فمكثوا بها أياما.
ورأوا في دمشق من جودة الإقليم، ووفرة المنتزهات والبساتين، وكثرة المياه ما حبب إليهم طول الإقامة. ولا غرو فهي جنة المشرق ومطلع أنواره كما قال فيها ابن بطوطة؛ قد تحلت بأزهار الرياحين، وتجلت في حلل سندسية من البساتين:
بلاد بها الحصباء در وتربتها
عبير وأنفاس الشمال شمول
تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق
وصح نسيم الروض وهو عليل
فقضوا فيها نحو ثلاثة أشهر على أتم هناء وأحسن رخاء، وابتاع حبيب ما وافق رغبته من البضائع الجميلة، والمصنوعات المتقنة، ثم سافروا إلى بيروت على أن يبرحوها بعد أسبوع عائدين إلى مصر.
Página desconocida