Luz y Mariposa
النور والفراشة: رؤية جوته للإسلام وللأدبين العربي والفارسي مع النص الكامل للديوان الشرقي
Géneros
من حماقة الإنسان في دنياه
أن يتعصب كل منا لما يراه،
وإذا الإسلام كان معناه أن لله التسليم
فإننا أجمعين، نحيا ونموت مسلمين.
ولا يجوز أن نحمل البيتين أكثر مما يحتملان، فالواجب يدعونا أن نفهمها على ضوء ما سبق من الكلام عن إيمان الشاعر بمشيئة عالية ينبغي على الإنسان أن يسلم أمره إليها، وارتياحه إلى هذه العقيدة التي وافقت شخصيته وطبعه، كما أكدت ما سبق قوله أكثر من مرة عن اقتناعه بفلسفة اسبينوزا. والمهم أن الشاعر الكبير قد بدا في شيخوخته وكأنه يريد أن يغير حياته كلها ويستقبل شبابا جديدا ويتفتح على عالم جديد. فها هو ذا يقتبس من القرآن الكريم ما يوافق مزاجه وشاعريته، وها هو ذا يترك «هوميروس، وهيلينا، وإيفيجينيا» لينعم بصحبة «زليخا» و«حاتم» و«المجنون» والندامى و«الحور» و«الدراويش» والمغنين! وإذا كان من غير الجائز أن نبالغ في هذا التحول إلى الشرق أو نفهم منه أنه يدل على تحول تام عن الغرب، فمن الواجب في الوقت نفسه أن نقرر أنه لم يسبق في تاريخ الفكر الغربي أن وجدنا شاعرا مثله يتجه بكل روحه إلى الشرق ويطلق خياله فيه بكل حريته تاركا وراءه ميراث ألفي سنة من التراث القديم والوسيط والحديث.
ويزداد إعجابنا وإكبارنا لهذا الشاعر إذا عرفنا أنه لم يكن في سن الشباب الجريء المتهور، بل في سن الخامسة والستين عندما راح يتجول في رحاب الشرق كأنما ولد من جديد. وخليق بنا نحن العرب أن نتذكر هذا الشاعر الجليل كما صور نفسه في إحدى قصائد ديوانه وهو يقطع الصحاري الشاسعة على ظهر جواده وليس فوق رأسه إلا النجوم، ولا في قلبه غير الحب والتسامح، والاطمئنان والصفاء، والإيمان برسالة الدين والأدب والفن في توحيد بني الإنسان على التآخي والسلام. (2) قصة الديوان الشرقي
كثيرة هي الكتب التي نقرؤها ونادرة هي الكتب التي نعيش معها، والديوان الشرقي هو أحد هذه الكتب التي تصحبنا في رحلة العمر، نرجع إليها بين الحين والحين لنستمد منه العزاء والإيمان، وننهل منه الحكمة والحب، ونجد في أشعاره النقية وألحانه العذبة من الصفاء والمرح والجمال ما يرد إلينا الانسجام المفقود في عالمنا اليومي المزدحم بالقبح والفوضى والأنانية والضغائن.
5
ثم إنه - بجانب فاوست - أهم ما أبدع هذا الشاعر المطبوع القديم وأصدقه تعبيرا عن قلبه الرقيق وفكره العميق وتجربته الوجدانية بالحياة. وربما كنا - نحن القراء في الشرق - أحق بهذا الديوان من قرائه الغربيين وأقدر منهم على تذوقه وإنصافه والإحساس بصوره ورموزه وإشاراته. فكم من قصيدة تهب علينا منها أنفاس الصحراء العربية، أو تستوحي روح الإسلام وعالمه السمح. وكم من حكاية أو نادرة مستوحاة من حياة النبي الكريم
صلى الله عليه وسلم
Página desconocida