لحللك منزلك الذي تحتله ... ولكان منزلنا هو المهجور
وقال الصاحب:
قال لي: إن رقيبي ... سيء الخلق فداره
قلت: دعني، وجهك الج ... نة حفت بالمكاره
وقال ابن الرومي في حسن الحبيب، وقبح الرقيب، [فأحسن]:
ما بالها قد حسنت ورقيبها ... مستقبح، لا كانت الرقباء
ما ذاك إلا لأنها شمس الضحى ... أبدًا يكون رقيبها الحرباء
وقال الصاحب أيضًا، وكان من الغلاة في الاعتزال:
ولما تناءت بالحبيب دياره ... وصيرت منه في عياني على وهم
تمكن مني الشوق غير مخالس ... كمعتزلي قد تمكن من خصم
وقال:
كنت دهرًا أقول بالاستطاعة ... وأرى الجبر ضلة وشناعة
ففقدت استطاعتي من هوى ظبي ... فسمعًا للمجبرين وطاعة
أخذه من قول سعيد بن حميد:
قالت: أكتم هواي وأكن عن اسمي ... بالعزيز المهيمن الجبار
قلت: لا أستطيع ذلك قالت: ... صرت بعدي تقول بالإجبار
وتخليت عن مقالة بشر ب؟ ... ن غياث لمذهب النجار
وقال الصاحب لغلام تركي قبل يده:
أبا شجاع يا شجاع الورى ... ومن لنا في وجهه قبله
قبل فمي إن كنت آثرتني ... فاليد لا تعرف ما القبلة
وهذا كقول الشريف أبي قاسم الرسي:
يا بدر بادر إلي بالكاس ... فرب خير أتى على ياسي
ولا تقبل يدي فإن فمي ... أولى بها من يدي ومن راسي
وكان أبو القاسم الرسي حلو الغناء، فكه الخلق، جميل الخلق. ومن قوله، وله فيه لحن:
إذا التحف الجو بالأدكن ... وغنى الحمائم كالأرغن
وهبت رياح الصبا سحرة ... بريح البنفسج والسوسن
وحن إلى القصف ألافه ... فبادر إلى شيخك المنحني
فنفس عن الزق أوداجه ... وسق الندامى ولا تنسني
وشرب عنده كوفان المغني، فلما أصبح افتقد رداءه، فقال: قد سرق ردائي أيها الشريف، قال: ويحك، من تتهم منا، أما علمت أن النبيذ بساط يطوى بما عليه، فقال: انشروا هذا البساط حتى آخذ ردائي، واطووه إلى يوم القيامة.
كان جعفر بن حذار كاتب العباس بن أحمد بن طولون ينقل أخبار أبي حفص عمر بن أيوب، كاتب أحمد بن طولون على الشراب إلى العباس، فصار إليه أبو حفص، وقال: يا أبا القاسم، إنما مجلس المدام مجلس حرمة، وداعية أنس، ومسرح لبانة، ومذاد همٍّ، ومرتع لهو، ومعهد سرور، وإنما توسطته عند من لا يتهم غيبه، ولا يخشى عيبه، وقد اتصل بي ما تنهيه إلى أميرنا أبي الفضل أعزه الله من أخبار مجالستي فلا تفعل، وأنشده [قول أبي العباس الناشيء:
ولقد قلت للأخلاء يومًا ... قول ساع بالنصح لو سمعوه
إنما مجلس الشراب بساط ... للمودات بينهم وضعوه
فإذا ما انتهوا إلى ما أرادوا ... من نعيم ولذة رفعوه
وهم أحرياء إن كان منهم ... حافظ ما أتوه أن يمنعوه
فاعتذر ابن حذار، وحلف أنه ما فعل، ثم قام عن مجلسه، فأنشد أبو حفص:
كم من أخ أوجست منه سجية ... فأنست بعد وداده بفراقه
لم أحمد الأيام منه خليقة ... فتركته مستمتعًا بخلاقه
عول أبو حفص في أكثر كلامه على كلام ابن العباس عبد الله بن محمد الناشئ في الشراب، والأبيات التي أنشد أولًا له.
قال بعض الظرفاء: شرط المنادمة قلة الخلاف، والمعاملة بالإنصاف والمسامحة بالشرابي، والتغافل عن الجواب، وإدمان الرضى، وإطراح ما مضى وإسقاط التحيات، واجتناب اقتراح الأصوات، وأكل ما حضر، وإحضار ما تيسر، وحفظ الغيب، وستر العيب.
وقال الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان وهو خليفة لشراعة بن الزند بوذ: من أمتع الجلساء؟ قال: الذي إذا عجب عجب، وإذا غنى طرب، وإذا سقي شرب، وإذا أمسكت حدثك، وإذا حدثت أنصت لك. قال: فأي أوقات الشراب أطيب؟ قال: وقت نشاط على غب السماء. قال: فأي المجالس أحسن؟ قال: إذا لم يكن مطر مغرق، ولا حر محرق، فالشرب على وجه السماء. قال الوليد: أفيلومونني يا شراعة على حبك، وأنا إذا سألتك شيء لقيتني بمثل هذا الجواب، خذ من بيت المال ألفي دينار: وأنشدوا في نحو قول شراعة:
لا خير في الشرب إلا مع أخي ثقة ... إن سر غنى وإن غنيته طربا
يعطيك صمتًا إذا غنيته وإذا ... شربت حيا وإن حييته شربا
1 / 33