أفق عنك لايذهب بك التيه سالمًا ... فإنك مخلوق ولست بخالق
وكل أخٍ عند الهوينا ملاطف ... ولكنما الإخوان عند الحقائق
وقال له رجل وكان حسن المتجرد: أشتهي أن يكون متاعي في سرَّتك! فقال: ياأحمق، إذا يصير جرداني في سبتك! - وقال له رجل: لايبقى إلا الله والعمل الصالح! إن العمل السوء يبقى حتى يخزي صاحبه.
ولما ولي حارثة بن بدر الغداني سرق كتب إليه أبو الأسود:
أحار بن بدر قد وليت ولاية ... فكن جرذا فيها يخون ويسرق
ولاتحقرن ياحار شيئًا فإنما ... يصيبك من مال العراقين سُرقُ
وإنك تلقى الناس إما مكذب ... يقول بما يهوى وإما مصدق
يقولون أقوالًا ولايبرمونها ... فإن قيل: هاتوا حققوا! لم يحققوا
وباه تميما بالغنى إن للغنى ... لسانًا به العي الهيوبة ينطق
وكن حازما في اليوم إن الذي به ... يجئ غد يومٌ على الناس مطبق
ولاتعجزن فالعجز أوطأ مركب ... وماكل من يدعى إلى الخير يرزق
إذا مادعاك القوم عدوك آكلا ... فكل حار أوجع لست ممن يحمق
وشيع أبو الأسود حارثة بن بدر لما ولاه عبيد الله بن زياد سرق، فلما أراد فراقه قال حارثة:
جزاك إله العرش خير جزائه ... فقد قلت معروفًا وأوصيت كافيًا
أشرت بأمر لو أشرت بغيره ... لألفيتني فيه لرأيك عاصيًا
ستلقى أخا يصفيك بالود حازما ... ويوليك حفظ العهد إن كان نائيًا
وأيسر ماعندي المؤاساة مسمحا ... إذا لم تجد يومًا صديقًا مؤاسيًا
فقال أبو الأسود:
إذا نلت الإمارة فاسم فيها ... إلى العلياء بالأمر الوثيق
ولاتك عندها حلوًا فتحسى ... ولا مرًا فتنشب في الحلوق
فكل إمارة إلا قليلا ... مغيرة الصديق على الصديق
وما استخبأت في رجل خبيئًا ... كدين الصدق أو حسب عتيق
ذوو الأحساب أكرم مخبرات ... وأصبر عند نائبة الحقوق
مرض أبو الأسود فقيل له: اصبر، فهذا أسر الله! قال: هو، أشد له! - مات ﵀ في الطاعون الجارف سنة تسع وستين، وسنة خمس وثمانون سنة.
٢ - ومن أخبار يحيى بن يعمر العدواني
كان من بني عدوان وعداده في بني ليث؛ روى عن ابن عباس وابن عمر وابن مسعود وعائشة، روى عنه قتادة وإسحاق بن سويد وغيرهما من العلماء، وهو من أهل البصرة. - قال عبد الملك بن عمير: أدركت فصحاء العرب ثلاثة: قبيصة بن جابر الأسدي وموسى بن طلحة ويحيى بن يعمر. وقيل: هو أول من نقط المصاحف.
قال له الحجاج: أين ولدت؟ قال: بالأهواز. قال: فمن أين لك هذه الفصاحة؟ قال: كان أبي نشأ بتَّوج فأخذت عنه. - وكان الحجاج قد استدعاه من خراسان بسبب كتاب كتبه عن يزيد بن المهلب اعجبته فصاحته فيه، ثم قال له: أسمعتني ألحن؟ قال: نعم، إنك تقصر الممدود وتمد المقصور. - وقيل: تجعل مكان أن إن - فرده إلى خراسان. - وقيل: إنه قال له: يايحيى، أنت الذي تزعم أن ولد علي من فاطمة ولد رسول الله ﷺ! قال: فقلت: إن آمنتني تكلمت. قال: فأنت آمن، والله لتخرجن من ذلك أو لألقين الأكثر منك شعرا! فقلت: نعم، أقرأ ذلك في كتاب الله ﷿ أن الله يقول، وقوله الحق: (ووهبنا لهُ إسحق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمن وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌ من الصالحين) . وعيسى كلمة الله وروحه، ألقاها إلى العذراء البتول، نسبه الله ﷿ إلى إبراهيم ﵇، فجعله من ذرية إبراهيم. قال: مادعاك إلى نشر هذا ذكره؟ قلت: ماأستوجب الله به على العلماء في علمهم، ليبيننه للناس ولايكتمونه. قال: لاتعودن لذكر هذا ونشره! ثم كتب إلى قتيبة: إذا جاءك كتابي هذا فاجعل يحيى بن يعمر على قضائك، والسلام.
سأل يزيد بن المهلب يحيى بن يعمر: هل تشرب النبيذ؟ فقال: ما أدعه صباحي ولامسائي ولافيما بينهما! فقال له: أنت مشغول بنبيذك! وعزله.
1 / 8