بعد العهد غير رجع كتاب ... يصف الشوق أو بلاغ رسولي
أيُّ شئٍ ألهاك عن سرَّ من ر ... أى وظلٍّ للعيش فيها ظليل
اقتصارًا على أحاديث فضلٍ ... وهو مستبردٌ كثير الفضول
وهي طويلة وآخرها:
جُلُّ ما عنده الترددُ في الفا ... عل من والديه والمفعول
قال ابن المدبر: فأمرت أن يكتب جواب الكتاب ويوجه إليه بمائة دينار، ودخل أبو العيناء، فأقرأته الشعر، فقال: أعطني نصف المائة، هجاه والله بكلامي! فأخذ خمسين، ووجهت إلى البحتري بخمسين وعرفته الخبر، فكتب إليَّ البحتري: صدق والله، مابنيت إلا عليه!
٢٤ - أخبار رجلٍ من اليزيديين لم يسمَّ
قال هذا اليزيدي: دخلت دار الواثق، فرآني من حيث لا أراه أمشي مسترسلًا، فلَّما دنوت منه قال: أتخطر في داري؟ فانقدعت حياءً، فقال: كيف تقول: قام زيدٌ؟ فقلت: قام زيدٌ. فقال: كيف تقول: لم يقم زيدٌ؟ فقلت: لم يقم زيد. قال: كيف تقول: أقيم زيد؟ قلت: أُقيم زيد. قال: مرفوع إذا فعل وإذا لم يفعل وإذا فُعل به. فقلت " من الرمل ":
أحدث الواثقُ بالله لأهل النحو كيدًا
وهو المانعُ أن يضرب عبد الله زيدا
٢٥ - ومن أخبار سيبويه وهو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر
ويقال: كنيته أبو الحسن، من موالي بني الحارث بن كعب، ويقال: هو مولى آل الربيع بن زياد الحارثي، وتفسير سيبويه بالفارسية رائحة التفاح، وقيل: إن امرأة كانت ترقصه وهو صغير تقول له ذلك. أخذ النحو عن عيسى بن عمر ويونس بن حبيب والخليل بن أحمد، واللغة عن أبي الخطاب الأخفش وغيره. قال ابن دريد: هو من أهل أرجان.
وقيل: إنه كان يستملُّ على حماد بن سلمة، فقال له حماد يومًا: قال رسول الله ﷺ: ما أحدٌ من أصحابي إلا وقد أخذت عليه ليس أبا الدردراء. فقال سيبويه: ليس أبو الدردراء. فقال حماد: لحنت يا سيبويه! فقال سيبويه: لاجرم لأطلبن علمًا لاتلحنني فيه أبدًا! فطلب النحو ولزم الخليل.
قال المبرد: لم يقرأ أحدٌ كتاب سيبويه عليه وإنما قُرئ بعده على أبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش، وكان ممن قرأه على الأخفش صالح بن إسحاق الجرمي. - قال أبو زيد النحوي يفتخر: كلُّ ما حكى سيبويه في كتابه فقال: أخبرني الثقة، فأنا أخبرته. - قال الأخفش: كان الكسائي جاءنا إلى البصرة وسألني أن أقرئه كتاب سيبويه، ففعلت، فوّجه إليَّ خمسين دينارًا. وكان الأخفش أسنَّ من سيبويه، ولم يأخذ عن الخليل.
وقال الفراء: كان سيبويه عضلة من العضل، ولما قال بشار في وصفه السفينة " من الطويل ":
تُلاعب نينان البحور وربما ... رأيت نفوس القوم من جريها تجري
أنكر سيبويه ذلك على بشار وزعم أن العرب لاتجمع النون على نينان، وأتصل ذلك ببشار، فقال: ويحه! أما يقول: حُوت وحيتان وغول وغيلان؟! - وقيل: إن الذي عاب عليه ذلك أبو الحسن الأخفش - وتوعد بشار سيبويه ولدغه بأبيات، فكف سيبويه عن تتبع شعره واحتج ببعضه تقربًا إليه واستكفافًا لشره. وقد كان في نسيب هذه القصيدة " من الطويل ":
على الغزلي مني السلام فربما ... لهوت بها في كلّ مخضرّة زهرِ
يريد بالغزالي الغزل، فعاب عليه سيبويه " الغزالي " وقال: لم يسمع هذا من العرب. واتصل ذلك ببشار فقال: هذا مثلُ النقري والجفلي والمرطي وهو السرعة في المشي. وقال بشار فيه " من الطويل ":
اسيبويه يا ابن الفارسية مالذي ... تحدثت من شتمي وما كنت تنبذُ
أطلت تغنى سادرًا بمساءتي ... وأُمك بالمصرين تعطي وتأخذ
فقيل لبشار: تنسبه إلى الفارسية؟ فقال: نسبته إلى أعرف أبويه. قيل: فلم جعلتها فارسية؟ قال: إن بفارس الوضيع والشريف. - وقال أبو محكم: كانت بالبصرة امرأة زانية يقال لها الفارسيَّة، مشهورة بالزنا، فكان أهل البصرة إذا أرادوا أن يزنُّوا إنسانًا قالوا: يا ابن الفارسية! وإلى هذا ذهب بشار.
قال ابن سلام: سألت سيبويه عن قوله ﷿: (لَلَوْلا كانتْ قَرْيَةٌ آمنَتْ فَنَفَعها إيمانَهُا إلا قَوْمَ يُونُس) على أي شيء نصب؟ قال: ألا إذا كانت بمعنى لكنَّ نصبت.
1 / 35