وسرعان ما استقرت الحياة بينها وبين وجدي، بل سرعان ما تفاهما، لم يكن طريقاهما متباعدين، كان الهدف واحدا، ولكن كلا منهما كان يسلك الطريق لحسابه الخاص.
لم تمض شهور على الزواج، حتى كان فكري الزيني قد لقي ربه، ولم تمض شهور أخرى، حتى صدر قانون الإصلاح الزراعي. وشمر وجدي عن ساعد الجد وشمرت معه ناهد، فإذا بيتها ملتقى الأرباب الجدد أو أنصاف الأرباب من الأتباع. واستعملت ناهد كل وسائلها من سحر الأنوثة، وعطر السماء، وتخاضع اللفظ، واختيار الإشارة، ورسم الابتسامة، وافتعال الغضب، واصطناع الحفلات، وصناعة الإبهار.
واستعمل وجدي كل ما حبته به الطبيعة من اصطناع الغباء، وقبول كل الأوضاع، وتوطيد الصداقات، مهما يكن ثمن الصداقة من عرض أو سمعة، فما يعنيه العرض، ولا قيمة عنده للسمعة ، فهو من هو عرضا وسمعة بحكم الميلاد.
لقد كانت ثروة أبيه من الأرض الزراعية، وقد استطاع بمواهبه هذه أن يبقي عليها كاملة، لم يتسلم منها الإصلاح الزراعي شيئا، وقد أعانه على تلفيق الأمور حامد عبد البديع.
ومن هذه الأبواب التي تفتحت لحامد على يد وجدي وأخيه جابر، الذي كان على صلة قديمة ببعض الأرباب الجدد، استطاع حامد أن ينقذ أرض يحيى، ويتقاضى ثمنا لذلك عشرين فدانا من أرض يحيى، يصحبها أيضا عرض يحيى.
الفصل العشرون
لم يكن أسامة يتصور، حين حصل على شهادة الحقوق، أن يتجه إلى ما اتجه إليه، فقد بدأ حياته بأن تمرن في مكتب المحامي الكبير صديق والده مهران باشا عبد الفتاح، وقد استطاع أن يعرف في هذا المكتب الكبير كيف يكون المحامي كبيرا؛ فأسامة يجيد الفرنسية، وهكذا كان يستطيع دائما في كل القضايا أن يرجع إلى أعظم المصادر، وقد علمه مهران باشا كيف يتناول القضايا ويتعامل معها، ويغوص في أدق ما تخفيه أوراقها.
وما هي إلا شهور حتى تبين مهران باشا أن أسامة يملك موهبة المحاماة، وأدرك أن أسامة يستطيع أن يكون امتداد الأجيال العباقرة من المحامين؛ أمثال عبد العزيز فهمي، ومرقص حنا، والهلباوي، ووهيب دوس، وعلوبة، ومرعي، إلى آخر هذه الأسماء التي وطدت دعائم المهنة الخطيرة، وأرست أركانها في مصر والشرق العربي.
وقد أدرك أسامة أن عمله باللغة الفرنسية سيمكنه أن يكون محاميا عملاقا في القضايا المدنية، فهي التي تحتاج إلى البحث والرجوع إلى المصادر الأصلية للقانون.
وراح أسامة يخطو خطواته الأولى، ولكن قليلا ما خطا؛ فقد سرعان ما انقلبت موازين المجتمع كلها، ولم يصبح للقانون المدني مكان، فالقانون المدني يقوم أساسا على أن للمال حرمة، والدولة هي التي تحمي هذا المال أن يستلب بطريق غير مشروع.
Página desconocida