ثم إن الملك أمر، برد الجنائب، وأذن في عرض النجائب، فأقبلت تتهادى صحبة سواسها، وتتبختر في مصبغات أكوارها وأحلاسها. فمن حرة لونها أحمر، وليل مسراها واضح أقمر، عنكرة غيطموس، تميل إليها الخواطر والنفوس، موراة اليدين بعيدة وخد الرجلين، أنحلها التيار وهذبتها الأسفار، ومن سرداح لونها أرمك، يكاد خيال السماك بها يتمسك، ملئت بالذوح والإسئاد تخالط حمرتها السواد، جميلة الصفات، مرقال حسنة الشمائل، شملال رحبة الصقل والخطا، لا يعرف لها عدول عن الطريق ولا خطا.
ومن رقوب لونها أزرق، تطفو في بحر العراب كالزورق، ظهيرة دوسرة، منوفة بهزرة تطس الآكام وتثبت في أثواب ورق الحمام، موصوفة بالإعصاف معروفة بالأعناق والإيجاف، ومن أمون لونها جون، وكون مثلها في محاسن الكون، تميل أن شبهتها إلى الدجى، ولا تمل من السير ولو براها الوجا، لها فخذان لحمهما وافر، وذنب تكنفه جناحا طائر، تسابق الريح في خطراتها، وتطأ جمر القيظ بجمراتها، ومن وجناء لونها أصهب ورباطها الدمقسي مذهب، ترعى الحدائق وترعى الحادي والسائق، شكول عسبور، تسامي رأسها أعواد الكور غائرة الأحداق، سريعة الاندفاع والانطلاق.
ومن مصاح لونها أغمش، وكل من قوائمها أحمش، يخالط بياضها شقرة، يولد الاجتماع بها طريقًا إلى النصرة، هوجاء وفاق روعاء مزاق، ترض الحصا برصها وتستطلع الإخبار بنصها، ومن شمردلة لونها أحوى، مهارق البيض بغيرها لا تطوى، تجوب القفار وتجوس خلال الديار، مشفرها رقيق وسبيب وظيفتها وثيق، تختال في شنفها وزمامها، وتدهش الأبصار بسنا سنامها.
وحوص غدت سفن المهامه والفلا ... ألم ترها تطفو على بحر آلها
تخط حروفًا بالمناسم في الثرى ... يقصر عن تحريرها ابن هلالها
فلما تكامل العرض بعد الطول، وأفلت أقمار الإبل وغابت شموس الخيول، أخذ الحاضرون في تذكر أشكالها وأفاضوا في نعت محاسنها، وجمالها. ثم إن الملك أمر بإحضار الطعام، واشتغل الناس بالمائدة عن الأنعام". وامتدح البحتري سعيد بن حميد الكاتب طالبًا منه فرسًا بقوله:
جئناه إذ لا الترب في أفنائه ... يبس ولا باب العطاء بمرتج
والبيت لولا أن فيه فضيلة ... تعلو البيوت بفضلها لم يحجج
بطل يخوض الخيل وهي شوائل ... خلف الإسنة وهو غير مدجج
ومنها:
فأعن على غزو العدو بمنطوٍ ... أحشاؤه طي الرداء المدرج
إما بأشقر ساطع أغشى الوغى ... منه بمثل الكوكب المتأجج
متسربل شية طلت أعطافه ... بدم فما تلقاه غير مضرج
أو أدهمٍ صافي الأديم كأنه ... تحت الكمي مظهر بالنردج
ضرم يهيج السوط من شؤبوبه ... هيج الجنائب من حريق العرفج
خفت المراقع وطأه فلو أنه ... يجري برملة عالج لم يرهج
أو أشهب يققٍ يضي وراءه ... متن كمتن اللجة المترجرج
يخفي الحجول ولو بلغن لبانه ... في أبيضٍ متألقٍ كالدملج
أوفى بعرف أسودٍ متعرفٍ ... فيما يليه وحافرٍ فيروزج
أو أبلقٍ يلقى العيون إذا بدا ... من كل لون معجب بنموذج
جذلان تحسده الجياد إذا مشى ... عنقًا بأحسن حلة لم تنسج
أرمي به شوك القنا وأرده ... كالسمع أثر فيه شوك العوسج
وأقب نهدٍ للصواهل شطره ... يوم الفخار وشطره للشحج
خرق يتيه على أبيه ويدعي ... عصبية لني الضبيب وأعوج
مثل المزرع جاء بين عمومة ... في غافق وخؤولة في الخزرج
لاديزج يصف الرماد ولم أجد ... حالًا تحسن من رواء الديزج
وعريض أعلى المتن لو عليته ... بالزيبق المنهال لم يترجرج
خاضت قوائمه الوثيق بناؤها ... أمواج تجبيب بهن مدرج
ولأنت أبعد في السماحة همة ... من أن تضن بملجم أو مسرج
وقال علي بن موسى العنسي:
ولكم سرينا في متون ضوامر ... تثني أعنتها من الخيلاء
من أدهمٍ كالليل حجل بالضحى ... تنشق غرته عن ابن ذكاء
أو أشهبٍ يحكي غدائر أشيب ... خلعت عليه الشهب فضل رداء
أو أشقر قد نمقته بشعلةٍ ... كالمزج ثار بصفحة الصهباء
أو أصفر قد زينته غرة ... حتى بدا كالشمعة الصفراء
طيرٌ ولكن لا يهاض جناحه ... ريحٌ ولكن لم تكن برخاء
1 / 22