وقال المقر الفتحي ابن الشهيد: "وصل الجواد الأدهم من الخيل كأنما ألبسه الليل حلة سابغة الكم والذيل وفهم المملوك من نعته حالك السواد، أن الأمر العالي اقتضى أن المملوك يكتم هذا الإحسان في سواد الفؤاد ويستره عن الحساد، كما ستر الليل على الرقباء اجتماع أهل الوداد، فتسلمه المملوك كما تسلمت الجفون طيف الحبيب، وأسر السرور به، لما علم من صدقة السر التي أخفتها اليد الكريمة عن الرقيب. ولا يعزب عن الله تعالى مثقال ذرة فيها ولا يغيب، واتخذ المملوك ظهر الجواد حرزًا، لأنه من الهياكل، وتصيد بعنانه عزًّا، لأن الأعنة لصيد العز حبائل، وجعله ذخيرة وعزًا لأنه أدهم لا يندم صاحبه، إن نابت النوائب، أو غالت الغوائل وصل، والظهر قد أعوز والسفر قد أحفل، فجلت دهمته الغمة، وجاءت باليد البيضاء فكذبت القائلين: لا خير في الظلمة، فرأيت منها بياض العطايا في سواد المطالب، وركبت على سرجه المحلى بالذهب، فما حرت في ليل إهابه، إلاّ اهتديت من تلك الحلي بأنوار الكواكب وقرت به عيني كأنما حل من سوادي واستوطأت ظهره في السرى فنمت لما طرق كأنه يريد رقادي".
وقال المستنصر بالله الأندلسي: "انظر إليه سليم الأديم، كريم القديم، كأنما نشأ بين الغبراء والنجوم؛ نجم إذا بدا، ووهم إذا عدا، يستقبل بغزال، ويستدبر برئبال، ويتحلى بشيات تقسيمات الجمال"، وقال يصف سرجًا: "بزة جياد، وركب أجواد، جميل الظاهر، رحيب بين القادمة والآخر، كأنما قدود الخدود أديمه، واختص بإتقان الحبك تقويمه"، وقال يصف لجامًا: "متناسب الأشلاء، صريح الانتماء إلى ثريا السماء، فكله نكال وسائره جمال". وقال ابن حبيب الحلبي: "وفد عليّ يومًا ذو الوك يدعوني إلى حضرة بعض الملوك فلبيت مناديه، ويممت في الحال ناديه، فرحب بي على عادته، وقرب مجلسي من وسادته، ثم قال لي: عرض لي أن أعرض العتاق وأتبعها بالنجائب من النياق، فأحببت حضورك، وقصدت نزهتك وسرورك، فشكرت فيض فضله، ودعوت بتوفير خيله ورجله، فما استتم المقال، إلاّ والجنائب تقاد بأيدي الرجال، فمن أشهب يقق إن طلب لخق، وإن طلب سبق، طرف يحار الطرف في حسنه، ويرى الناظر شخصه في مرآة متنه، بعيد المنار والمنال، طلعته الفجر وسرجه الهلال، لا يخطر معه الخطار ولا تعلق له الغبراء بغبار، يهتدي فارسه من حافره بسنا السنابك، ويغتدي عند امتطاء صهوته من الذين ينظرون على الأرائك، ومن أدهم غريب لا يعلم أجنوب هو أم جنيب يسبق السيل في السير، معقود بناصيته الخير، ينساب كالثعبان وينعطف انعطاف السرحان، زاد على زاد الراكب، وزاحم النكباء بالمناكب، يسلب العقول بحسن وسبعه وتليله، ويخطف الأبصار برق غرته وتحجيله، ومن أشقر خلوقي الجلباب، ألبسه الأصيل حلة تفتن الألباب، الراح تحكيه في لباسه، والرياح لا تقدم على مجاراته لباسه، متقلد بالذهب متقلب في اللهب، يشفق من مناظرته الشفق، ويسرق من لون شعره السرق، ينقص الزائد لديه، ويفوت أعوج ثم يعود متهكمًا عليه، ومن كميت طاب عرفه واسود ذنبه وعرفه، أسيل الخدين بارز النهدين عندمي اللباس، يحول بين الظباء والكناس، إن وثب ألحق العنان بالعنان، وإن وقف عاينت في كل عضو وردة كالدهان، يجد السير في حزن الفلاة وسهلها ويرد الوديعة محمولة إلى أهلها، ومن أصفر لونه فاقع كم له في الحلبة من طائر خلفه واقع ينتمي إلى الحبشان، ويعير بلونه الزعفران، الدجى على عرفه قابض، وماء القار على ذيله فائض، يتجلى في الرياض الشمسية، ويسبح في الجداول الورسية، لا يمل من التقريب والإلهاب، ويأتي من عدوه بغرائب يشيب منها الغراب، ومن أخضر حسن وشيًا وراق للعيون جريًا ومشيًا، زرزوري الإهاب يجمع بين الشيب والشباب، زبرجدي الحافر، أين منه الغزال النافر، يظهر عجز مكتوم، وتخمد عنده جمرة اليحموم، يخجل بتفويفه الرياض، ويسابق أسهم راكبه إلى الأغراض، ومن أبلق عظمت فصوصه، واشتهر حسنه وشهر قميصه طويل الحزام والذيل، هامته وشامته من الليل، يمرح في جلاله ويولع إذا غابت الخيل بمسابقة خياله، ينحط الوجيه عن أوجه، ويغرق الفياض في موجه، يسبق النعامى والنعامة، وينظر بعيني زرقاء اليمامة:
جرد بهن لكل عين جنة ... فإذا جرين أتين بالنيران
يحكين في البيدا النعام رشاقة ... ويسرن في الأنهار كالحيتان
1 / 21