لدينا نفوس عزيزة تنمو فيها ميول مبهمة ورغبات حارة، فأرشدينا أي الأعشاب فاسد فنقتلعه وأيها الصالح فنسقيه ماء الرعاية والحنان!
قولي يا سيدتي تكلمي!
ضمي يدك الباردة إلى الأيدي التي تحاول رفع هذا الجيل من هوة الحيرة والتردد، ساعدي في تحرير المرأة بتعليمها واجباتها، إن صوتا خارجا من أعماق القلب، بل من أعماق الجراح كصوتك قد يفعل في النفوس ما لا تفعله أصوات الأفكار.
لا يهمنا أن تخفي تلك اليد النحيفة وراء جدران خدرك، وأن تحجبي هيئتك الشرقية وراء نقابك الشعري، ما دمنا نسمع صوتك في صرير قلمك، ونعرف منك روحك العالية.
فهنيئا لوطن يضم بين بناته مثيلاتك، وهنيئا لصغار يستقون وعود الهناء من ابتسامتك ويسكبون حياتهم في قالب حياتك!
مي
إلى الآنسة مي
تفضلت فكتبت إلى كلمتك العذبة في الجريدة وكنت إذ ذاك بين مخالب الموت، فلم يكن في وسعي أن أمسك القلم لأرد عليك، وإن كانت مخيلتي لم تبخل بالرد، كانت رسالتك عزاء جميلا لي في مرضي الطويل المؤلم، وبلسما ملطفا لجراحي البالغة التي قلت: إنك عثرت عليها، آلامي أيتها السيدة شديدة، ولكني أنقلها بتؤدة كأني أجر أحمال الحديد، فهل تدرين يا سيدتي ما هو لي؟ ليس لي بحمد الله ميت قريب أبكيه، ولا عزيز غائب أرتجيه، ولا أنا ممن تأسرهم زخارف هذه الحياة الدنيا، ويستولي عليهم غرورها، فأطمع في أكثر مما أنا فيه، وليس لي حال سيئ أشتكيه، ولكن لي قلبا يكاد يذوب عطفا وإشفاقا على من يستحق الرحمة ومن لا يستحقها، وهذا علة شقائي ومبعث آلامي، إن قلبي يتصدع من أحوال هذا المجتمع الفاسد.
وما لي أحمل نفسي أعباء غيرها، ولست بمسيطرة على هذا العالم، ولكني كنت عاهدت نفسي على الأخذ بيد المرأة المصرية، ويعز علي أن أتخلى عن هذا العهد وإن كان تنفيذه شاقا، ومحفوفا بالصعوبات ويكاد اليأس يسد طريقي إليه.
كنت اعتزلت الكتابة لا لنضوب مادتها عندي، ولا اكتفاء بالقليل الذي كتبت من قبل، ولكني كنت مللت المناداة بإصلاح المرأة المصرية، وثبط عزمي ما أراه من انصراف فئة المتعلمين والمتعلمات الجدد عن العمل لتكوين القومية المصرية المطلوبة، وما حركتهم التي ملأوا بها القطر صراخا إلا عنوان نهضة كاذبة.
Página desconocida