تسألينني يا سيدتي أن أدلك وسط هذه الأحوال المضاربة والآراء المتشعبة عن الطريق الذي يحسن بالفتاة نهجه، وإنها لحال توجب الحيرة، ولا ندري أي الطرق نسلك لنصل سريعا إلى الغاية التي نقصد إليها، كلنا يرمي إلى تقدم الفتاة وتنورها وإعدادها لأن تكون زوجة صالحة وأما نافعة أبناءها ووطنها، ولكن لكل مناد بالإصلاح وجهة هو موليها، فبعضهم لا يرى لهذا التأخر والجهل من سبب إلا كان راجعا للحجاب، وهؤلاء قرروا وجوب سفور المرأة المصرية حالا، ونسوا حكمة التأني والتحفظ عند إرادة الانتقال من طور مظلم مألوف إلى طور لم يعهد من قبل؛ تكتنفه المدهشات واللوامع البراقة الجذابة التي تكاد تغشى الأبصار.
وفريق لا يرى السفور فائدة، ويقول: إن الحجاب لا ينفي العلم وإن إطلاق الحرية للمرأة أخيرا كان سببا لفسادها، وإن اطراد تعليم المرأة وتثقيفها سيكون مجلبة للشغب ولخروجها عن حدود وظيفتها في المستقبل، كما خرجت أختها الغربية الآن، فأي الطريقين نسلك ومن نتبع؟ إننا معشر النساء لا يزال ظلم الرجل يرهقنا، واستبداده يأمر وينهى فينا، حتى أصبحنا ولا رأي لنا في أنفسنا، فإذا قال لنا: اختبئن حتى تدفن بالحياة صونا لكن وتدليلا كما يقول المتنبي في رثاء أخت سيف الدولة:
على المدفون قبل الترب صونا
وكقوله في أخت ممدوحه الثانية من رثاء أيضا:
وما رأيت عيون الإنس تدركها
فهل حسدت عليها أعين الشهب
وهل سمعت سلاما لي ألم بها
فقد أطلت وما سلمت عن كثب
إذا أمرنا الرجل أن نحتجب احتجبنا، وإذا صاح الآن يطلب سفورنا أسفرنا، وإذا أراد تعليمنا فهل هو حسن النية في كل ما يطلب منا ولأجلنا أم هو يريد بنا شرا؟ لا شك أنه أخطأ وأصاب في تقرير حقنا من قبل، ولا شك أنه يخطئ ويصيب في تقرير حقوقنا الآن.
نحن لا نأبى أن نتبع رأي العقلاء والمصلحين من الأمة، ولكننا لا يمكننا كذلك أن نعتقد أن كل من يتصدى للكتابة في موضوع المرأة من العقلاء المصلحين؛ ليدعنا الرجل نمحص آراءه ونختار أشدها، ولا يستبد في (تحريرنا) كما استبد في (استعبادنا)، إننا سئمنا استبداده، إننا لا نخاف من الهواء ولا من الشمس وإنما نخاف عينيه ولسانه، فإن وعدنا أن يغض بصره كما يأمره دينه، وإن يكن لسانه كما يوصيه الأدب، نظرنا في أمرنا وأمره، وإلا فكل منا حر يفعل ما يشاء، والسلام عليك أيتها الفاضلة من المعجبة بك المثنية على أدبك الجم وعلمك الغزير.
Página desconocida