كقيصرات الرومان مثيرات فينا ذكريات القرون الغابرة، وبالقرب منهن يتكئ رعاة عراة على عصيهم متخذين وضع الأجداد من الرعيان منذ ألوف السنين، ويمد أقزام عراة ذرعانهم الشعر نحو صرر من الملح فيعرض عليهم أخذها مقايضة مع تردد.
والهندي الصامت الساحر النظر يسيطر عليهم كلهم في أكواخ مصنوعة من نسيج القنب حيث يعرض للبيع ذخائر أوروبية، ويمد الزنجي إليه نقودا إنكليزية كسبها في مزارع البيض بمشقة، ويقدم إليه بدلا منها مصابيح بترول وأباريق شاي ومظال وطنابير
8
ودبابيس شابكة وأطر قديمة، ولكن الإنكليزي يعلو الهندي، والإنكليزي هو الآمر المسيطر، وهو يلبس ثياب الاستعمار البيض ويركب سيارته، وهو لا يزال يبدو نصف إله، وإلى متى؟
كيوغا والنيلوفر.
وتمضي ثلاثون سنة على اكتشاف الإنكليزي الأول لأوغندة في سنة 1860، ويبدأ الإنكليز حوالي سنة 1890 باستغلالها رويدا رويدا، ويسير كل شيء في البداءة سيرا حسنا، ثم يثور الزنوج على المبشرين، ولم لا يؤذن لهم بأكثر من امرأة واحدة بدلا من ست؟ ذلك تدبير حسن للفقراء الذين لا يستطيعون أن يشروا بما لديهم من الوسائل أكثر من واحدة، وهل في ذلك ما ينافي الأدب؟ وهم يجهلون أن الرجل في أوروبة لا يحق له أن يتزوج أكثر من امرأة واحدة، ولكنه ينال زوج جاره بلا جزاء، على حين يمكن الزنجي هنا أن ينكح عدة أزواج، ولكن من غير أن يأخذ زوج الجار بلا عقاب.
والزنوج عرفوا فقط أن القوم أرادوا تحريم عادة يقوم نظامهم الاجتماعي عليها، ومن ثم كان عصيانهم وقتالهم، ويأسف الملك متيزا في آخر عمره على أنه ترك المبشرين يدخلون بلاده، وينشأ أسفه عن تنازع الإخوان الفرنسيين الكاثوليك ومرسلي الإنكليز ، وينفر الشعب من بعض الشروط التي فرضتها الحكومة الإنكليزية على ابن متيزا في معاهدة سنة 1890، وتشتعل الحرب ويقهر الملك وينفى، ويشابه ابنه بمظاهر الملك أجداده مشابهة نسر أسير لرفقائه الطلقاء، والسكون يسود البلد منذ سنة 1905.
ولم يحتفظ الإنكليز بذلك القطر الفاخر بلا قتال حقيقي إلا باحترامهم للأسماء والأشكال على قدر الإمكان، وتركهم للرؤساء قضاء سطحيا وشعورا بالاشتراك في الحكومة، والإنكليز مع ذلك قد ضمنوا لأنفسهم حق الرفض في تعيين أحقر رجال الشرطة كما كان الإمبراطور الروماني المقدس يعترض على تعيين الأساقفة في القرون الوسطى، والإنكليز - فضلا عن ذلك - يؤزرون سرا - كمؤازرة الملك متيزا لرجاله في كفاحهم - جهود مرسليهم الذين حظر عليهم كل عنف في حمل الآخرين على انتحال دينهم، والذين يعلمون السود قواعد الصحة وينشئون المدارس، وما تذرع به الإنكليز من رشد وعناد فقد عاد عليهم منه أجر كبير، والإنكليز يقبضون بذلك على ناصية بلد متم لخطوطهم الجوية والتجارية، والإنكليز في الحرب العالمية (الأولى) قد جمعوا مائتي ألف مقاتل زنجي حاربوا بهم جيرانهم ألمان أفريقية الشرقية، والإنكليز قد وجدوا سوقا جديدة لسلعهم، والإنكليز يبيعون تسعين في المائة من أهم محاصيل أوغندة بمليوني جنيه في الإمبراطورية البريطانية. وقد بلغت الزيادة في ميزانية ذلك البلد السنوية مليون جنيه منذ بضع سنين.
وهنا يسأل: هل استرقوا ملايين الزنوج الثلاثة؟ كلا، وإليك قائمة ما ربحه الزنوج من اكتشاف بلدهم والاستيلاء عليه:
يتعلم السواحلية
Página desconocida