إعلم أن علماء المعتزلة أوسعوا في اعتراضات أئمة الزيدية فيما تذهب إليه من النصوص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، وطولوا في أفانين الاعتراضات، وأفردوا كتبا جمة، وتوارثوا هذا الرأي خلفا عن سلف، وجعلوه ديدنا ودينا، وفي كل عصر من أئمتنا وعلمائنا البحور الزواخر، والسيوف البواتر، والأقمار الزواهر، فكلما تمسكت به الخصوم من شبهة بتكت أئمتنا أسبابها، وكلما أوقدوا نارا للحرب، أطفت علماؤنا التهابها.
وعلى ذلك مضت بهم الأعصار، واختلف بهم الليل والنهار، وشم صاحب المقالة شيئا من علم المعتزلة حبب إليه مذهب القوم، ومن عشق شيئا أعمى نظره، وأمرض قلبه، فاغتر بالشكير وطار مسفا، ووقع على اعتراضات الشيوخ فمسخ منها، وسلخ ونسخ، واعتقد أنه جاء بغريب، فأوضع في القدح بين تعريس وتأويب، وإيجاف وتقريب، ولم يدر أن لتلك الخيالات أنوارا تنفيها، وأن للكعبة ربا يحميها، ولله القائل :
ومن لم يتق الضحضاح زلت .... به قدماه في البحر الغميق
والقصد هاهنا هو التنبيه [على] أشف ما خيل إليه وعول عليه.
Página 80