[مقدمة المؤلف]
وبه نستعين، الحمد لله الذي جعل العترة النبوية لها ميم الشرف، وسادات هذه الأمة الخلف منها والسلف، خصهم الله سبحانه بالتفضيل، وحباهم بالتعظيم والتبجيل، وجعلهم الدعوة الباقية في عقب إبراهيم الخليل، مهبط التنزيل، وملجأ التأويل، ومختلف ميكائيل وجبرائيل، ألبسهم الله سرابيل النبوة في الإبتداء، وتوجهم بأكاليل الإمامة في الإنتهاء، فجعل الإمامة من النبوة خلفا، وجعلهم أئمة يهتدون بأمره وخلفاء، لا معقب لحكمه لهم في وحيه، ولا راد لأمره فيهم ونهيه، إلا من حكم عليه حب الإلف والعادة، واختار الشقاوة على السعادة، صفوة الله من بريته، وحججه على الكافة من خليقته، سفينة نوح، وباب السلم المفتوح، ولله در من قال ولقد أحسن في المقال:-
أنتم سفينة نوح والمراد بها .... ولاكم لامساميرا ولا خشبا
فمن تعلق منها بالولاء نجا .... ومن تخلف في بحر الهوى عطبا
وما المودة في القربى بواجبة .... لهاشم بل لكم يا أقرب القربى
وما الصراط سوى إضمار طاعتكم .... فمن تنكب عن منهاجكم نكبا
وكل منقلب عن عقد بيعتكم .... كان الجحيم له مأوى ومنقلبا
بني أبي طالب لولا محبتكم .... ما فاز ذو الدين والدنيا بما طلبا
Página 41
لولا محبتكم فينا وحجتكم .... لكان يزهد في الإسلام من رغبا وأشهد أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم تاج آنبيائه، وغرة أصفيائه، أشرف البشر، ووسيلة الرسل يوم المحشر:
دع ما تقول النصارى في نبيئهم .... من الغلو وقل ما شئت واحتكم
وأن عليا نافجة زنده، ويافخ فرنده، والإمام المنصوص عليه من بعده، سيد الأوصياء، وصفوة خاتم الأنبياء، المخصوص بعقائل الكرامات، الفاتح لباب الإمامات.
لا تقبل التوبة من تائب .... إلا بحب ابن أبي طالب
حب علي واجب لازب .... في عنق الشاهد والغائب
أخو رسول الله حلف الهدى .... والأخ لا يعدل بالصاحب
إن مال عنه الناس في جانب .... ملت إليه الدهر في جانب
جاءت به السنة مقبولة .... فلعنة الله على الناصب
وأن المفضل لغيره عليه مرتبك في الخطأ، متقاصرات عنه فسيحات الخطا، ولله الشافعي(45) حيث يقول:
وإن جاش طوفان الضلال فنوجه .... علي وإخلاص الولاء له فلك
إمام إذا لم يعرف المرء فضله .... على الناس لم ينفعه زهد ولا نسك
ولو لامني فيه أبي لم أطع أبي .... وحاشا أبي أن يعتريه به شك
وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ورضيعا حلف الكتاب والسنة، نص عليهما أبوهما الأمين، وأخبر أنهما وذريتهما أمان من في الأرض من العالمين، [شعرا]:
قيل لي أنت أوحد الناس في النظم .... فماذا تقول في السبطين
قلت لا أهتدي على الحسن السب .... ط ثناء ولا مديح الحسين
Página 42
مهجتا أحمد وشبلا علي .... وسليلا كريمة الأبوين وأن العترة النبوية سادات الأنام، والمفضلون بما آتاهم الله من الفضائل على الخاص والعام، نص عليهم أبوهم حيث قال: ((قدموهم ولا تقدموهم، ولا تشتموهم فتكفروا، ولا تخالفوهم فتضلوا))(48).
Página 43
ولقد أحسن سعيد السعيد:-
أجبت كتاب الله حق إجابة .... وصدقته فيكم فأنتم ولاته
وسلمت للفرقان فيما قضى به .... ووليتكم فيه فأنتم هداته
وأنتم حصون العلم بعد محمد .... بكم يهتدي الهادي وأنتم رعاته
وأن المتعرض لمحاولة ثلمهم من الضالين، وأن الله لعمله من القالين ،
أحب النبي وآل النبي .... لأني ولدت على الفطرة
إذا شك في ولد والد .... فآيته البغض للعترة
وبعد: فإنه قل ما يسلم جسد من حسد، فكانت العترة النبوية محسدة المناقب، لابتغائها في الشرف هامات النجوم الثواقب.
وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها .... ويجهد أن يأتي لها بنظير
وما زال الدهر يرعف عن كل يوم بروافض ونواصب، والشيطان يملي على ألسنتهم ليبوأهم دار العذاب الواصب، شعرا:
وإذا أراد الله نشر فضيلة .... طويت أتاح لها لسان حسود
Página 44
لولا اشتعال النار فيما باشرت .... ما كان يعرف طيب عرف العود إلى أن نبغ في هذا الأوان كل وان، واختلط بالفضلاء كما يختلط بالقمح الزوان ، فاختار ضلالته على رشده، وأخبرتنا كراهته للعترة عن حكم ميلاده، ولله در الصاحب الكافي حيث يقول:
من كان ذا نسك وذا عفة .... وبغض أهل البيت من شانه
فإنما العتب على أمه .... أتت به من بعض جيرانه
فتارة يقعقع بشنه على الوصي، وتارة يسوي بين السيوف والعصي، وآخر يتنسك ويصوم ، وهو ينهش لحم المعصوم، وفينة يطن طنين الذباب، ليروع بطنينه أسود الغاب، ويعارض بلمع السراب ماء الشراب، [شعرا]:-
يبيت عمرو غارزا رأسه .... في سنة يوعد أخواله
هيهات كم بين البحر والثماد، وأين العنبر من الرماد، قارب من خطوه، وطامن من شخصه، وزعم نقض الأدلة، ومدح الكثرة، وذم القلة.
كدعواك كل يدعي صحة العقل .... ومن ذا الذي يدري بما فيه من جهل
انتحل التدليس، وأجاب دعوة إبليس، وفضل على التبر الخزف، وساوى بين الدر والصدف، أين مسامعه أصم الله صداه عن قول الرشيد بن الزبير في مدح العترة الهداة.
إذا العيون اجتلتهم قال مبصرهم .... سبحان رب البرايا بارئ النسم
صاغ الخلائق من طين ومن حما .... وآل أحمد من طول ومن كرم
Página 45
ماذا تنال القوافي في مديحكم .... وبعض أوصافكم تربوا على الكلم هذا ولما رأيت عقربة متحككة بالأفعى، وذكرت المثل السائر: استنت الفصال حتى القرعا، ورأيته مجدا في العداوة، على أنها سلمة كسلمة الإداوة، أنشأت قصيدة في التألم لمذهب العترة الزكية، والحث على طم هذه الركية البكية، علما بأن سنة الأعداء بعلوم أئمتنا مقطوعة، ورؤوس الحساد بحلوم ساداتنا مقموعة، وكم من مهجة تحسد العترة مبتوتة، وكبد من شأنها مفتوتة، شعرا:
Página 46
فدام فينا وفيهم ما بنا وبهم .... ومات أكثرنا غيظا بما يجد وعزمت على التوجيه بالقصيدة المذكورة، إلى صاحب الكرامات المشهورة، والآيات المسطورة، معيد حياة الإسلام، خاتم الأئمة الكرام، مولانا أمير المؤمنين، الناصر لدين الله رب العالمين، محمد بن علي بن محمد المشهور بصلاح الدين، صلوات الله عليه وسلامه، هزا لقطوف حكمته الحالية المجاني، واستثمارا لغراس أقلامه الطيبة المعاني، واستنصارا بعلومه المعدة للاستنصار، واستبصارا بآرائه المعدة للاستبصار، حتى كان عليه السلام غاية المستنصر بالسيف والقلم، وآية المستبصر بالرأي والحكم، إن نطق أفاد، وإن ضرب أباد، وإن أراد جواب علم أتقنه وأحسنه، وإن رجح خلافه أنفذه وأمكنه، يحلي ويمر، ويمضي ويمر، ويبلغ بكلامه حيث يبلغ بحسامه، وبحسامه حيث يبلغ بكلامه، ويحكم بحكمته كما يحكم بحكمته، ويحكم بحكمته كما يحكم بحكمته، كم أبدأ وأعاد، وأفاد وأباد، وساد وشاد، وصال بقوله نهاية الموصل بصوله، وبصوله غاية الوصول بقوله، كم قد قال وصال، وأبان الأوصال، يا مبدي يا مندي أبد أيد مليك ملتك، محمد مخمد، مذهب مذهب، جدل جدل، ألحق الحق الأئمة الأثمة بوارا ثوارا، وقتلهم وقيلهم فصار قصارى سلامتهم، سلا منهم أرواحا أزواجا، أقماهم أفماهم موتى مؤتى مترتون مترثون مجدلون مخذولون.
Página 47
نعم وخشيت أن ترد القصيدة على مولانا أمير المؤمنين، عليه صلوات رب العالمين، فيشتغل باله الكريم بجواب خيالات أحقر من أن يجيل في جوابها قلما، فلزمت طريقة الأدب، ورأيت تنقيح خيالات المموهين، بعد أن طلبت جوابها من سيدنا العلامة فخر الدين حافظ علوم الأئمة الهادين، عبد الله بن حسن الدواري أعاد الله من بركاته، فكتب إلي معتذرا، وكان من كلامه أيده الله: "نعم ما ندب إليه من الجواب عن الخيالات التي بلغته ممن لم يعض على العلم بضرس قاطع، ولم يكن له في منابت الطهارة والفضل سنخ أصل معرق، فيعلم أن الحكمة لا ينبغي أن تلقى إلا إلى أهلها وهم العملة، وإلقاء ذلك إلى غير أهله كالمتجمل للضرير، ومعلق سلك الجواهر في عنق الخنزير"، هذا كلامه أيده الله تعالى بعد أن قال: "وإن كان الجواب الجملي عن كل المسائل، الإثم والتخطية للمعتقد والقائل، ثم هو بعد ذلك يترقى إلى درجة الفسق والكفر، فنعوذ بالله من الزيغ الشديد، والضلال العتيد"، تم كلامه رضي الله عنه.
Página 48
ولما رأيت كلامه رضي الله عنه يحوم حول الإضراب، ويرجح إيصاد هذا الباب، وربما قال لا بأس بالجواب، قلت في نفسي: لا يحك جلدي مثل ظفري، ولا يدرك وتري مثل بتري، فبذلت في الجواب جهد المستطيع، وإن لم يدرك الضالع شأو الضليع، وسميته (نهاية التنويه في إزهاق التمويه)، وبالله أعتضد فيما أعتمد، وأعتصم فيما يضم، إنه ولي ذلك، والقادر على ما هنالك، وهذه القصيدة، ويتلوها الجواب عن كل مسألة بعينها:
[تظلمه مما يسمع ويرى من هضم حق أهل البيت عليهم السلام]
أقاويل غي في الزمان نواجم .... وأوهام جهل بالضلال هواجم
ومسترق سمعا لآل محمد .... فأين كرام بالنجوم رواجم
ومستوقد نارا لحرب علومهم .... فأين البحار الزاخرات الخضارم
ومعترض فيهم بمخراق لاعب .... فأين السيوف الباترات الصوارم
ومجتهد في ذم قوم أكارم .... فأين الأباة السابقون الأكارم
ومنتهش لحما لهم وهو ثعلب .... فأين الأسود الخادرات الضراغم
[ترجيه لإزالة الظلم عنهم]
عسى نخوة تحمي على آل أحمد .... فقد ظهرت بغيا عليهم سخائم
عسى غاضب لله فيهم بحكمه .... يحكم فيه الحق فالحق حاكم
عسى ناظر فيهم بعين بصيرة .... وحاك لما نصت عليه الملاحم
عسى ناقم ثارا لهم من عدوهم .... فذاك عدو بالمناقم ناقم
عسى عارف ما قال فيهم أبوهم .... فقد جهلت تلك النصوص العظائم
عسى سالم فيهم عداوة ناصب .... فقد فاز منها سالم ومسالم
عسى عادم حقدا عليهم بقلبه .... فقد قل منه اليوم من هو عادم
عسى صائم من لحم أولاد حيدر .... فما شاتم من لحمهم هو صائم [شكوى من إبليس وأتباعه]
Página 49
إلى الله أشكو ذنب إبليس إنه .... أهاب بقوم دينه المتقادم
دعاهم إليه فاستجابوا لصوته .... ولما يرعهم حوبه المتعاظم
وطار بهم في قلب كل معاند .... فهاهم خوافي ريشه والقوادم
[بيان مدى اتباعهم، وتعداد نقاط الإتباع، ومنها تحاملهم على علي عليه السلام]
حناق صدور من فضائل حيدر .... يكالمهم فيها كليم مكالم
لهم كل يوم من كراهة فضله .... مآثم شبوا نارها ومآتم
إذا ذكر الفاروق أمست صدورهم .... مفطرة مما تكن السخائم
على أنه خير البرية عن يد .... وإن ورمت منهم أنوف رواغم
يقولون لا فضل له فوق غيره .... وهذا ضلال منهم متراكم
وهل بلغت فضل السنام مناسم .... وهل أدركت شأو البحار الكظائم
وإن ذكروا يوم الغدير تأولوا .... ولايته تأويل من هو ظالم
وتأويلهم نص الكتاب تعاميا .... على ما يداني حقدهم ويلائم
وقد زعموا نقض الأدلة كلها .... وأكثر من يعزى إلى الجهل زاعم [جرائم الانكار والجحود]
Página 50
وهم أنكروا حصر الإمامة في بني ال .... بتول وقالوا الغير فيها مساهم
ولم يجعلوا إلا اختيارا طريقها .... وبالعقد قالوا أمرها متعالم
وهم أبطلوا الإجماع من آل أحمد .... دليلا وآي السمع في ذاك قائم
وهم أنكروا علم البتول وفضلوا .... عليها وهذا لا تراه الفواطم
وهم أنكروا لعن ابن هند وسبه .... وهذا الذي تنهد منه الصلادم
وزادوا على هذا وقالوا بأن من .... توقف فيه فهو في الجهل غاشم
[الحجج على ما أنكروه]
وحرب علي منه كالشمس ظاهر .... وهل لطلوع الشمس في الناس كاتم
وحسبك منه مقتل ابن سمية .... وتأويله للنص فيه مصادم
معاوية في لعنة الله خالد .... وتعذيبه فيها من الله دائم
ولعنته أحلى من الشهد مطعما .... إذا حنظلت فيها لقوم مطاعم
[عودة إلى تعداد الجرائم]
وقالوا يزيد مستحق توقفا .... ورأس حسين عنده والغلاصم
وهم جهلوا الرسي وهو مقدس .... عن الجهل بحر الحكمة المتلاطم
وهم أنكروا إسناد يحيى وقاسم .... وما لهما في العالمين مقاسم
وقالوا لنا الهادي إلى دين ربه .... ملبس دين حظهم متفاقم
وهم عجبوا منه لإحداث مذهب .... وما إن له في الحق قالوا دعائم
[تعجب وسخرية]
إذا القاسم الرسي ضل بزعمكم .... فمن يهتدي في الناس إن ضل قاسم!
وإن يكن الهادي إلى الحق جاهلا .... على زعمكم فيه فمن هو عالم!
Página 51
[عودة إلى التعداد]
وقالوا بأن المذهب الحق مذهب .... أتاه بن إدريس عليه عوالم
وما كثرة الأتباع في الحق آية .... إذا ذهبت بالفلج منه الأعاجم
وهم صوبوا نشوان في هذيانه .... على أنه فيما هذى فيه آثم
وساداتنا نصت بقطع لسانه .... رواه لنا المنصور إذ هو ناظم
وهم ظلموا المختار أجرا أتى ب .... ه الكتاب ومن هذا تكون الجرائم
[تصبر وتسلي]
إذا ظلموا آل الرسول مودة .... فلا بد يوما تستقص المظالم
وإن نبحوا سادات آل محمد .... فهل قمر من نبحة الكلب واجم
وليس يضر البحر وهو غطمطم .... إذا ما رماه بالحجارة راجم
[نداء وبلاغ]
فيا راكبا هوجاء من نسل شدقم .... تأخر عنها اليعملات الشداقم
تجوب الفيافي فدفدا بعد فد فد .... وتوجف إن كلت هناك الرواسم
[مدح وثناء]
انخها على باب الإمام محمد .... إمام هدى طابت به الناس هاشم
أقول له ما قاله في جدوده .... أخو مقة للمدح في الآل ناظم
فجودكم للرزق في الناس قاسم .... وسيفكم في البأس للكفر قاصم
وما الناس إلا أنتم دون غيركم .... وسائر أملاك الزمان بهائم
وقل لي له من بعد تقبيل كفه .... ولثم له حتى كأني لاثم [استنكار متأدب]
Página 52
أينكر مولانا علي مكانه .... وعلمك زخار وسيفك صارم
وتشتم سادات الرسول عداوة .... ويرغد في أكناف فضلك شاتم
ويوصم يحيى بن الحسين بن قاسم .... ويأوي إلى إحسانك الجم واصم
ويدعى وقد أحيا الرشاد ملبسا .... وأنت لأهل البيت بالحق قائم
ويرفع أركان الضلالة ناصب .... وأنت لأركان الضلالة هادم
وتنسى لأسباط الرسول مناقب .... وتؤذى لأولاد البتول مكارم
وينكر فضل السبق من آل أحمد .... وتطمس منهم في العلوم معالم
لقد عظمت هذي الجرائم غاية .... وقد هتكت فيها هناك المحارم
فماذا ترى فالأمر أمرك في الورى .... أتنكر هذا أم على الغيظ كاظم
وماذا يقول السابقون إلى الهدى .... ومن لهم في الحق تقرى العزائم
أمستيقظ طرف الحمية فيهم .... على مذهب السادات أم هو نائم
[استغاثة وحث]
ألا يالزيد دعوة علوية .... لصاحبها التوفيق واليمن خادم
عدو علي والأئمة بعده .... أمشتدة منكم عليه الشكائم
وهل قائم منكم له بفريضة .... فإن ابتداعات الأعادي قوائم
وهل عامل لله لاشيء غيره .... ومجتهد فالأمر والله لازم
إذا لم يكن فيكم ظهور حمية .... على مذهب الهادي وإن لام لائم
فلا نشرت للعلم فيكم دفاتر .... ولا لويت للفضل منكم عمائم
تمت القصيدة المفيدة
Página 53
[مبتدأ الأسئلة وإجاباتها]
المسألة الأولى:
ما الذي تراه الزيدية كثر الله تعالى محافلها، وحرس عن بدع المخالفين مقاولها في مظهر التمسك بمذهب العترة النبوية، وهو يذهب أن طريق الإمامة العقد والإختيار ؟ وأن حصر الإمامة في أولاد البطنين محدث ضعيف ؟ ويرى تصويب المتقدمين على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - ؟ ويعتقد أن عليا كرم الله وجهه كواحد من الصحابة، لا فضل له على واحد منهم بخلة من خلال الفضل ؟ ويتأول حديث الغدير وأمثاله من نصوص الكتاب والسنة ؟ ويرجح ما تقوله المعتزلة أن الولي والمولى بمعنى الناصر فقط ؟ ويتبع النصوص الواردة في إمامة علي عليه السلام فيتأولها واحدا واحدا، نافيا لها عن أن تكون دالة على إمامته - عليه السلام، جاعلا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في علي عليه السلام، منه ما هو آحادي فلا يقبل، ومنه ما ورد في معنى الفضل لا التفضيل لمن ورد فيه على غيره، كخبر الغدير وخبر المنزلة وخبر الطير وأمثالها ؟
ويقول: له بهذه الأخبار وما يشابهها فضل ما، وأما الضرب الثالث مما ورد فيه عليه السلام شئ لم يقل به إلا الإمامية وقصاص الأخبار الذين يقال لهم في اللغة المجلوزين، قال: وما كان هذا سبيله فلا يجوز الاعتماد عليه، ولا ينبغي تصديقه.
هذا كلامه، ويرى كلام الأئمة وعلماء الزيدية هذيانا لا يعتد به عنده إلا كل مائق مألوس، ويظهر اشتداده بهذه الفضيلة، واختصاصه بهذا التحقيق في علماء الأوان، هل يعد هذا من الزيدية، والمتمسكين بمذهب العترة النبوية ؟ وما حكمه ؟ وما الذي يجب في معاملة الزيدية له ؟ ومايستحب في ذلك ؟ وما تجوز معاملته به ؟ فقد عظمت محنته ونجمت نجوم قرن الماعز بدعته.
والجواب والله الهادي إلى الصواب ينحصرفي أربعة مطالب: الأول: في حكم صاحب هذه المقالة، والثاني: هل يعد من الزيدية، والثالث: في بيان ما تجب معاملته، وما يستحب في ذلك وما يجوز وما لا يجوز، والرابع: في الإشارة إلى الجواب عن مقالته.
Página 54
[حكم صاحب هذا الرأي]
Página 55
* أما المطلب الأول وهو في حكمه: فحكمه الخطأ بما ارتكبه من إنكار النصوص الشريفة الواردة في إمامة علي عليه السلام وتفضيله، وقد زاد على جماهير المعتزلة في الخطأ ؛ لأنهم وإن أجمعوا على تصويب المتقدمين على أمير المؤمنين، فقد اختلفوا في التفضيل، قال ابن أبي الحديد(108) صاحب شرح نهج البلاغة الكبير: "مذهب بشر بن المعتمر وأبي موسى وجعفر بن مبشر وسائر قدماء البغداديين إن أفضل المسلمين علي عليه السلام"، قال: "والمراد بالأفضل أكثرهم ثوابا، وأكبرهم في دار الجزاء منزلة"، وحكى هذه المقالة عن الشيخ أبي عبد الله البصري، ونسبها إلى البغداديين، وبه قال أبوالحسين الخياط، وتلامذة أبي القاسم البلخي، كلهم قالوا بها، وحكى صاحب الشرح المذكور، أن رأي المعتزلة استقر بعد خلاف كثير بينهم في التفضيل وغيره أن عليا أفضل الجماعة(115)، وأنهم تركوا الأفضل لمصلحة رأوها، وأن عليا عليه السلام، نازع، ثم بايع، وأحجم، ثم أصحب، ولو أقام على الإمتناع، لم نقل بصحة البيعة، ولا بلزومها، ولو جرد السيف كما جرده آخر الأمر؛ لقلنا بفسق كل من خالفه على الإطلاق كائنا من كان، قال: "وبالجملة فإن أصحابنا يقولون: إن الأمركان له، وكان هو المستحق والمتعين، إن شاء أخذه لنفسه، وإن شاء ولاه غيره، فلما رأيناه قد وافق على ولاية غيره، اتبعناه، ورضينا بما رضي".
Página 56
هذا كلام علماء المعتزلة رواه عنهم خريت مذاهب مذاهبهم، وقد أردنا بيان مذهبهم في تفضيل علي عليه السلام، وإن كان في كلامهم دعوى موافقته عليه السلام للقوم، والرضى بما أقدموا عليه، فهذا ليس من مذهبنا، وربما يعرض من الكلام في المطلب الرابع ما يبطل هذه الدعوى إن شاء الله تعالى.
هذا وقد روي توقف أبي علي وأبي هاشم في تفضيل علي عليه السلام، وفي الرواية المتقدمة عن ابن أبي الحديد ما يخالف ما روي عن أبي علي وأبي هاشم من التوقف ؛ لأنه أطلق الرواية عن المعتزلة في تفضيل علي عليه السلام، وقال: هو المستقر من مذهبهم، وظاهره العموم، ولا تصدر هذه الرواية عن عالم كبير إلا بعد خبرة وتحقيق لما رواه، فلعل أبا علي وأبا هاشم قد رجعا عن التوقف إلى القول بتفضيل علي عليه السلام على من تقدم من الصحابة، وهذا الذي يليق بهما لرسوخ أقدامهما في التحقيق.
وأما قاضي القضاة، فقد صرح أن عليا عليه السلام أفضل من الثلاثة، فحصل من هذه النبذة أن صاحب المقالة المتقدمة قد زاد في خطأه على المعتزلة، وخرج عن مذهبهم في التفضيل، والمعلوم من إجماع العترة النبوية أن المعتزلة أخطأت في إنكار النصوص الواردة في إمامة الفاروق الأزهر.
Página 57
قال الشيخ العلامة سيف الأصوليين أحمد بن محمد بن الحسن الرصاص في كتابه المعروف "بمنهاج الإنصاف العاصمة عن شب نار الخلاف" بعد أن أطال الثناء على المعتزلة حتى قال ما لفظه :
وإن كانت الهفوة لا تعصمهم، فللجواد كبوة، وفي الحسام نبوة،
وإن كنا لا نحمدهم، بل نقول: إنهم قصروا في حق علي عليه السلام تقصيرا فت عضد تحقيقهم، وغير في وجه تدقيقهم، ونقول مع ذلك : "بأنهم سقوا من فضالة الزيدية، وشرفوا باتباع العترة النبوية"، هذا كلام الشيخ صاحب الجوهرة، فقد بان بما ذكرناه زيادة صاحب هذه المقالة في الخطأ على مشائخ المعتزلة، وأنه كما تقول العامة في أمثلتها: "زاد على معلمه"، ومن أمثال العرب: "هذا أجل من الحرش".
[عدم انتسابه إلى الزيدية]
* وأما المطلب الثاني وهو في بيان هل يعد من الزيدية ؟
فالذي تقررت عليه قواعد مذهب الزيدية، شيد الله أركانه، هو القول بأن عليا عليه السلام، هو الإمام بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأن المتقدم عليه مخط بتقدمه، لا خلاف في الخطأ من المشائخ الثلاثة عند المحققين من الزيدية، وقد قيل أن القول يجمع الزيدية، أعني القول بخطأ من تقدم على علي عليه السلام في الإمامة، وإن اختلفوا في الخطأ وأحكامه، كما هو معروف في كتبهم ومقالاتهم.
Página 58
فحصل بما قلناه أن صاحب هذه المقالة لا يعد من الزيدية رأسا.
قال الإمام المنصور بالله عليه السلام: في كتابه المعروف "بالكاشف للإشكال في الفرق بين التشيع والإعتزال": وسألت عمن رضى عن الخلفاء، ويحسن الظن بهم من الزيدية، ويقول أنا أقدم عليا، وأرضي عن المشائخ، ما يكون حكمه ؟ وهل تجوز الصلاة خلفه ؟
قال الإمام المنصور بالله: "الجواب عن ذلك: أن هذه المسألة غير صحيحة، فيتوجه الجواب عنها ؛ لأن الزيدية على الحقيقة هم الجارودية، ولا نعلم في الأئمة عليهم السلام من ليس بجارودي، وأتباعهم كذلك.
وأكثر ما نقل وصح عن السلف هو ما قلناه على تلفيق واجتهاد، وإن كان الطعن والسب من بعض الجارودية ظاهر، وإنما هذا رأي المحصلين منهم، وإنما هذا القول قول بعض المعتزلة، يفضلون عليا، ويرضون على المشائخ، وليس هذا يطلق على أحد من الزيدية ؛ لأنا نقول: قد صح النص على أمير المؤمنين من الله تعالى، ومن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وصحت معصية القوم وظلمهم وتعديهم لأمر الله سبحانه، وإن كانت جائزة المعصية والترضية فما أبعد الشاعر في قوله:-
Página 59
فويل تالي القرآن في ظلم اللي .... ل وطوبى لعابد الوثن ومن حاله ما ذكرت لم يعد من الزيدية رأسا، وإنما هذا قول بعض المعتزلة، وصاحب هذا القول معتزلي لا شيعي ولا زيدي، وأجمل من قال في أبي بكر وعمر وعثمان - من آبائنا عليهم السلام - إنما هو المؤيد بالله عليه السلام، ونهاية ما ذكر أنهم لايسبون، وأن سبهم لا يصح عن أحد من السلف الصالح عليهم السلام.
وأما الترضية فهذا يوجب القطع على أن معصيتهم صغيرة، فان أوجدنا صاحب المقالة البرهان على أن معصيتهم صغيرة تابعناه، فليس على متبع الحق غضاضة، ولكنه لا يجد السبيل إلى ذلك أبدا، أو عصمتهم، ولا قائل بذلك من الأمة، وشاهد الحال لو ادعى ذلك لفضحه ؛ لأن طلحة والزبير كانا من أفاضلهم، وقد صح فسقهما بالخروج على إمام الحق ؛ وإنما رويت توبتهما، ولم يرو عن الثلاثة توبة عما أقدموا عليه من الإمامة وتأخير علي عليه السلام عن مقامه الذي أقامه الله تعالى فيه ورسوله.
وأما الصلاة خلف من ذكرت، ففي الصلاة خلاف طويل، وقد أجازها الأكثر خلف المخالفين، مالم تكن مخالفتهم كفرا، فالأمر في ذلك أهون، والإحتراز من الصلاة خلف من يقول بذلك أولى"، تم كلام المنصور بالله منقولا من كتابه المذكور.
Página 60