El fin del valor en la ciencia de la palabra
نهاية الإقدام في علم الكلام
Géneros
فيقول أمهلني حتى أنظر في هذه الأبواب وأقطع هذه المراتب فهل يجب على النبي إمهاله أم لا فإن لم يمهل فقد ظلمه إذ كلفه ما لا يطيق وذلك أن العلم إذا لم يحصل إلا بالنظر والنظر يستدعي مهلة وزمانا ولم يمهله فقد ظلمه وأمره بمجرد التقليد والتقليد إما كفر وإما قبيح وإذا أمهله فيلزمه أن لا يعود إليه حتى ينتهي النظر نهايته ولا يتقرر ذلك بزمان معين بل يختلف الحال باختلاف الأشخاص وأذهانهم وكياستهم في مدارج النظر وأيضا فمن استمهل ووجب إمهاله يعطل النبي عن الدعوة فإن عاد إليهم قالوا نحن بعد في مهلة النظر فليس لك علينا حكم بعد الإمهال ولم يثبت عندنا صدقك فنتبعك ثم إذا كان النبي مبلغا عن الله تعالى فلا بد وأن يسمع أمره وكلامه أولا ثم يبلغ عنه أو يسمع من سمع منه فبم عرف النبي بأن المتكلم هو الله أو بم عرف أن المتوسط ملك يوحي إليه وبم عرف ذلك الملك أن الرب هو الآمر المتكلم فما الجواب عن هذه المسئلة هذا كلامنا على نفس الدعوى.
أما الكلام على بينة الدعوى فنحن أولا ننكر ما حكيتموه عن الأنبياء من قلب العصا حية وإحياء الموتى وفلق البحر وخروج الناقة من الصخرة الصماء وتسبيح الحصا وانشقاق القمر فإن جنس ذلك مستحيل الوجود فنحن أولا نمنع حصولها فماذا دليلكم على وقوع ذلك ثم بم تنكرون على من يرد الخوارق إلى خواص الأشياء فإنا نجد حصول أمثال ذلك من الجمادات على يد من لا دين له كالأمطار التي تحصل من اصطكاك الأحجار وكالرياح التي تهب من تحريك ما مخصوص ثم التعزيم والتنجيم والتبخير وعلم الطلسمات واستسخار الروحانيات واستخدام الكواكب العلوية علوم معروفة والعمل بها من العجائب المعجزة والغرائب المفحمة فما أنكرتم أن ما أتى به هذا المدعي من جنس ذلك ثم الواجب عليكم أن تثبتوا وجه دلالة المعجزة على الصدق فإنه من حيث هو فعل دل على قدرة الفاعل فقط من هذا الوجه لم يدل على صدق قول المدعي من حيث اقترانه بدعواه لم يدل أيضا لأن اقترانه بدعواه كاقترانه بحدوث حادث آخر من قول أو عمل ثم لم يدل نفس الاقتران على حق أو باطل فكيف دل هاهنا وأيضا فإن عندكم يجوز خرق العادات على يدي مدعي الإلاهية ولم يدل ذلك على صدق دعواه فكيف يدل على صدق دعوى النبوة.
قال أهل الحق قام الدليل على أن الرب تعالى خالق الخلق ومالكهم ومن له الأمر والخلق والملك له أن يتصرف في عباده بالأمر والنهي وله أن يختار منهم واحدا لتعريف أمره ونهيه فيبلغ عنه إليهم فإن من له الخلق والإبداع له الاختيار والاصطفاء " وربك يخلق ما يشاء ويختار " فلا استحالة في هذه المراتب ولا استحالة في نفس الدعوى ولا يضاهي استحالته استحالة دعوى الإلاهية بل هو من الجائزات العقلية فله الواجبات الحكمية فبقي كون الخبر والدعوى على احتمال الصدق والكذب وإنما ترجح الصدق على الكذب بدليل.
وللمتكلمين طرق في إثبات المرجح أحدها أن اقتران المعجزة بدعوى النبي نازل منزلة التصديق بالقول وذلك أنه متى عرف من سنة الله تعالى أنه لا يظهر أمرا خارقا للعادة على يدي من يدعي الرسالة عند وقت التحدي والاستدعاء إلا لتصديقه فيما يجري به واجتماع هذه الأركان انتهض قرينة قطعية دالة على صدق المدعي فكان المعجزة بالفعل كالتصديق شفاها بالقول ونحن نعلم قطعا في صورة من يدعي الرسالة من ملك حاضر محتجب بستر والجماعة على كثرتها حضور ثم إن رجلا من عرض الناس إذا قام بين يدي ذلك الجمع الكثير من الخلق وقال أيها الناس إني رسول هذا الملك إليكم وآية صدقي في دعواي أنه يحرك هذا الستر إذا استدعيت منه ثم قال أيها الملك إن كنت صادقا في دعواي الرسالة عنك فحرك هذا الستر فحرك في الحال علم قطعا ويقينا بقرينة الحال أنه أراد بذلك الفعل تصديق المدعي ونزل التحريك منه على خلاف العادة منزلة التصديق بالقول ولم يشك واحد من أهل الجمع أن الأمر على ما يجري به المدعي فكذلك في صورة مسئلتنا هذه فإذا المرجح للصدق هي القرائن الحاصلة من اجتماع أمور كثيرة منها الخارق للعادة ومنها كونه مقرونا بالدعوى ومنها سلامته عن المعارضة فانتهضت هذه القرائن بمجموعها دالة على صدق المدعي نازلة منزلة التصديق بالقول وذلك مثل العلم الحاصل من سائر القرائن أعني قرائن الحال وقرائن المقال.
Página 146