El fin del valor en la ciencia de la palabra
نهاية الإقدام في علم الكلام
Géneros
والقول في النعمة والرزق قريب مما ذكرناه فمن راعى فيهما عموما قال النعمة كل ما ينعم به الإنسان في الحال والمال والرزق كل ما يتغذى به من الحلال والحرام وقد سماها الله تعالى باسمها فقال " وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ومن راعى فيهما خصوصا قال النعمة في الحقيقة ما يكون محمود العاقبة وهو مقصور على الدين قال الله تعالى فيهم " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " والرزق في الحقيقة ما يكون مباحا شرعا قال الله تعالى " أنفقوا مما رزقناكم " والحرام لا يجوز الإنفاق منه وكلا القولين صحيح إذا اعتبر فيهما الخصوص والعموم ولا مشاحه في المواضعات والشكر على النعم والأرزاق واجب وهو أن تراها بقلبك من المنعم فضلا فتحمده قولا ولا تستعملها في المعاصي فعلا والأرزاق مقدرة على الآجال والآجال مقدورة عليها ولكل حادث نهاية ليس تختص النهايات بحياة الحيوانات وما علم الله إن شاء ينتهي عند أجل معلوم كان الأمر كما علم وحكم فلا يزيد في الأرزاق زائد ولا ينقص منها ناقص فإذا جاء أجلهم لا يتأخرون ساعة ولا يستقدمون وقد قيل أن المكتوب في اللوح المحفوظ حكمان حكم مطلق بالأجل والرزق وحكم مقيد بشرط إن فعل كذا يزاد في رزقه وأجله وإن فعل كذا نقص منهما كذا وعليه حمل ما ورد في الخبر من صلة الرحم يزيد في العمر وقد قال تعالى " وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب " وقوله " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " .
القاعدة التاسعة عشر
في إثبات النبوات
وتحقيق المعجزات ووجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام صارت البراهمة والصابئة إلى القول باستحالة النبوات عقلا وصارت المعتزلة وجماعة من الشيعة إلى القول بوجوب وجود النبوات عقلا من جهة اللطف وصارت الأشعرية وجماعة من أهل السنة إلى القول بجواز وجود النبوات عقلا ووقوعها في الوجود عيانا وتنتفي استحالتها بتحقيق وجودها كما ثبت تصورها بنفي استحالتها.
فقالوا بم يعرف صدق المدعي وقد شاركناه في النوعية والصورة أبنفس دعواه وقد علم أن الخبر محتمل للصدق والكذب أم بدليل آخر يقترن به وذلك الدليل إن كان مقدورا له فهو أيضا مقدورنا وإن لم يكن مقدورا له ولكنه مقدور بقدرة الله تعالى فلا يخلو إما أن يكون فعلا معتادا ولا يختص ذلك بهذا المدعي فلا يكون دليلا وإن كان فعلا خارقا فمن أي وجه يدل على صدقه والفعل من حيث هو فعل لا يدل على الاختصاص بشخص معين سوى اقترانه بنفس دعواه وللاقتران أسباب أخر محتملة كما لخرق العادات أحوال مختلفة وإذا احتملت الوجوه عقلا لم تتعين جهة الدلالة فانحسم باب الدليل من كل وجه أما نفس الإقتران فربما لا يتفق في بعض الأحوال إذ الفعل فعل الله تعالى وهو منوط بمشيئته فكيف يوجب المعدي على الله فعلا يفعله في تلك الحال وليس يدعي النبي على أصلكم هذه الدعوى التي قدرتموها فإنه يحيل خلق الآيات على مشيئة الله تعالى كما أخبر كتابكم " قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون " وكم من نبي سئل إظهار الآية فلم يظهر في الحال على يده فلئن كان ظهور الآية في بعض الأوقات دليلا على صدقه فعدم ظهورها في بعض الأوقات يجب أن يكون أيضا دليلا على كذبه وليس الأمر كذلك على أصلكم فإذا قال واحد من عرض الناس وهو مجهول الحال عند الكل إني رسول الله إليكم فطولب بالآية وجب عليه التضرع إلى الله في استدعاء الآية الخارقة للعادة على مقتضى الدعوى ووجب على الله إجابته في الحال إلى ذلك كان الإيجاب أولى على الله ورسوله من الخلق وهو عكس ما رمتم إثباته ثم مسئلة النظر والاستمهال فيه يفضي إلى إفحام الأنبياء فإنه إذا ادعى الرسالة فقال المدعو العلم بالرسول يترتب على العلم بالمرسل والعلم به ليس يقع بديهة وضرورة فلا بد من نظر واستدلال في أفعاله استدلالا بتغيرها على حدوثها وبحدوثها على ثبوت محدثها ثم النظر في قدمه ثم النظر في وحدانيته ثم النظر في صفاته الواجبة له والجائزة عليه وما يستحيل في صفته وبعد ذلك ينظر في جواز انبعاث الرسل ثم في معجزة هذا المدعي بعينه.
Página 145