فعاش في كوكبه وعرف أغوارها وأنجادها، وسهولها وبطاحها، وعامرها وغامرها، ورطبها ويابسها، ووضع المقاييس لمعرفة أبعاد النجوم ومسافات الأشعة والموازين لوزن كرة الأرض إجمالا وتفصيلا، وغاص في البحار فعرف أعماقها وفحص تربتها، وأزعج سكانها ونبش دفائنها وسلبها كنوزها وغلبها على لآلئها وجواهرها، ونفذ من بين الأحجار والآ كام إلى القرون الخالية فرأى أصحابها وعرف كيف يعيشون، وأين يسكنون، وماذا يأكلون ويشربون، وتسرب من منافذ الحواس الظاهرة إلى الحواس الباطنة فعرف النفوس وطبائعها، والعقول ومذاهبها، والمدارك ومراكزها، حتى كاد يسمع حديث النفس ودبيب المنى، واخترق بذكائه كل حجاب، وفتح كل باب، ولكنه سقط أمام باب الغد عاجزا مقهورا لا يجرؤ على فتحه، بل لا يجسر على قرعه؛ لأنه باب الله، والله لا يطلع على غيبه أحدا.
أيها الشبح الملثم بلثام الغيب، هل لك أن ترفع عن وجهك هذا اللثام قليلا لنرى صفحة١ واحدة من صفحات وجهك المقنع، أو لا فاقترب منا قليلا علنا نستطيع أن نستشف صورتك
_________
١ صفحة الشيء جانبه.
1 / 53