في وبسببي، ولا بد أن أندُبه وأقيم مأتما عليه، فقال افعلي، فما زالت تندبه ثلاثا حتى ماتت في اليوم الرابع، وشقاء سعد الوراق بحب عيسى النصراني حينما علم أن أهله قد بنوا له ديرا بنواحي الرقة؛ ليترهب فيه ويحتجب عن الناس فضاقت عليه الدنيا بما رحبت، وأحرق بيته وفارق أهله وأخوانه ولزم صحراء الدير عله يجد السبيل إلى الوصول إليهن، فامتنع عليه ذلك بعد ما ذل للرهبان وتخضع لهم، وتأتي لهم بكل سبيل فلم يجده ذلك شيئا، فصار إلى الجنون وخرق ثيابه وأصبح عريان هائما لا شأن له إلا أن يقف بكل طائر يراه على شجرة، فيناشده الله أن يبلغ رسائله إلى عيسى حتى رآه بعض الناس في بعض الأيام ميتًا إلى جانب الدير، وأمثال ذلك من مواقف البؤس ومصارع الشقاء، كأنما كنت أرى أن الدموع لحبها، أو كأنما كنت أرى أن الدموع مظهر الرحمة في نفوس الباكين، فلما أحببت الرحمة أحببت الدموع لحبها، أو كأنما كنت أرى أن الحياة موطن البؤس والشقاء، ومستقر الآلام والأحزان، وأن الباكين هم أصدق الناس حديثا عنها، وتصويرًا لها، فلما أحببت الصدق أحببت البكاء لأجلِهِ، أو كأنما كنت أرى أن بين حياتي وحياة أولئك البائسين المنكوبين شبهًا قريبًا وسببًا متصلًا، فأنست بهم وطربت بنواحهم طرب المحب بنوح الحمائم، وبكاء
1 / 21