الأفعال الاختيارية على الصحيح عند بعض المحققين تكليف بأسبابها كإلقاء الذهن وصرف النظر وتوجيه الحواس قال في الآيات البينات: على أنه وقع إطلاق فعل القلب على التصديق في عبارة المواقف والمقاصد وغيرهما. لكن كأنه باعتبار أنه يعتبر في الإيمان مع التصديق الذي هو التجلي والانكشاف إذعان واستسلام في القلب للأوامر والنواهي فتسمية التصديق الذي هو الاعتقاد فعلًا بهذا الاعتبار.
وإما كون المنهي عنه فعلًا فقد أشار لبيانه بقوله:
(فكفنا بالنهي مطلوب النبي ..)
يعني: أن الذي طلب منا أي كلفنا به في النهي الشارع المجازى الذي هو النبي ﷺ. الكف بمعنى الترك والانتهاء أي انصراف النفس عن المنهي عنه وذلك فعل يحصل بفعل الضد للمنهي عنه فالمقصود بالذات هو الانتهاء وإما فعل الضد فلا يقصد إلا بالالتزام بل قد لا يقصد أصلًا ولا يستحضره المتكلم ومتى قصد فعل الضد وطلب من حيث هو كان أمرًا لا نهيًا عن ضده قال السبكي في شرح المنهاج: أن الانتهاء مقدم في الرتبة في العقل على فعل الضد. فكان معه كالسبب مع المسبب ولكافر إذا أسلم فقد وجد منه ثلاثة أشياء، كفره أولًا المنهي عنه ثم انتهاؤه عنه والترتيب بينهما في الزمان ثم تلبسه بالإيمان والترتيب بينه وبين الانتهاء عن الكفر ليس في الزمان وإنما هو في الرتبة ترتب المعلول على العلة وهما في زمان واحد حتى لو فرض أن الانتهاء يحصل بدون فعل الضد حصل المطلب به ولم يكن حاجة إلى فعل الضد لكن ذلك فرض غير ممكن وهذا المعنى حاصل في جميع الأفعال وكل ما تلبس به الإنسان.
قال السبكي في طبقاته: لقد وقفت على ثلاثة أدلة تدل على أن الكف فعل لم أر أحدًا عثر عليها، أحدها قوله تعالى: «وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا». فإن الأخذ التناول والمهجور المتروك فصار المعنى تناولوه متروكًا أي فعلوا تركه. والثاني ما روى أنه ﷺ (قال: أي الأعمال أفضل؟ فسكتوا ولم يجبه أحد فقال: هو حفظ اللسان) والثالث (قال قائل من المسلمين
1 / 69