87

Marcure de France

مقالا عن الآثار في سوريا وأهميتها المستقبلة، والدكتور المذكور هو رئيس البعثة الأركيولوجية في سوريا قال:

أمام غنى سوريا المادي يوجد غنى أدبي عرفنا بالنزوع إليه والتفتيش عنه. وهذا النزوع هو سبب نشر علومنا في الشرق؛ لهذا يجب أن نصرف اهتمامنا إلى مستقبل سوريا العلمي. وفي هذا المقال، الذي أكتبه بعد سفرة طويلة فتشت في أثنائها عن الآثار القديمة، أجرب أن ألفت نظر السوريين إلى أهمية الميراث الذي وضعته الأجيال بين أيديهم، فيتمتعون بكنوزه ويمتعون بها المدنية.

إن مركز سوريا بين الإمبراطوريات الثلاث الكبيرة؛ الآشورية والمصرية والفارسية، هو سبب جعلها مدة أجيال ساحة حرب تتلاطم فيها مطامع جيرانها، فقبل المسيح بألفي سنة امتدت عليها سطوة بابل، وبعد خمسة أجيال حملت نير المصريين الذين جعلوها درعا يتقون به هجمات الشعوب النازلة عليهم من الشمال.

وبعد ذلك بألف سنة، تبع حظها حظ إمبراطورية ما بين النهرين التي داست كما شاءت عروش ملوك سوريا الصغار، ثم إن الفرس استولوا عليها بعد استيلائهم على بابل، وجاءت بعدهم المدنية اليونانية فأزهرت وأثمرت واستولى الرومانيون بعد اليونانيين على سوريا، ولم يلقوا مقاومة إلا من بعض أمراء الصحراء سكان ضواحي تدمر الذين ما برحوا أن اقتبسوا المدنية الرومانية.

وجاء الفتح العربي فغطى مدة أجيال كل ما كان قبله، وتبعه الصليبيون فبنوا قلاعهم وقصورهم وكنائسهم في كل سوريا، وأدخلوا مدنيتهم التي أثرت بالشعب السوري وبأخلاقه إلى درجة لم يتمكن الفتح التركي مدة أجيال من إزالتها، ولا من التغلب عليها.

هل يوجد تحت السماء بلاد لها ماض كماضي البلاد السورية، تعاقبت عليها تواريخ الإنسانية جمعاء؟ لا يوجد بقعة من بقاع الأرض شهدت ما شهدته هذه البلاد، فكأنها بكاملها منجم لا يفرغ يحوي الشهادات الحية عن الماضي الصامت.

كل ما أقوله صحيح، ولكن في درس آثار سوريا صعوبة لا يعرفها إلا من عاناها. إن البلاد غنية بالآثار، ولكن جميع هذه الآثار مبتورة ناقصة؛ فهناك ركام من الكنوز المقطعة الأوصال لا تنطق إلا أمام من يعرف أن يحل رموزها؛ أي أمام العلم، والسبب في وجودها على هذه الحالة هو أن الفتوحات التي حدثت في سوريا كانت سلسلة معارك دموية قضى فيها الغالب على كل ما للمغلوب من صامت وناطق، وبقدر تعدد أديان الفاتحين كثر التخريب والتجديد ...

وهناك سبب آخر لتحطيم الآثار هو كره الأهالي لكل ما هو صورة أو تمثال، فإذا هم عثروا على ناووس قديم فتحوه بقصد أخذ ما فيه، ثم أجهزوا عليه بضربة فأس فحطموه، وهم لا يتأخرون عن تحطيم أجمل الآثار الفنية رغبة برؤية ما في داخلها، وقد شهدت بعيني الحادثة الآتية - وهي برهان على عدم تقدير الأهالي قيمة الفن:

بعد دخول الحلفاء سوريا، طلبت بلدية صيدا من الحكومة أن تأذن لها باستعمال أحجار متهدمة من القلعة المعروفة بقلعة القديس لويس لبناء بعض المدافن، وقد جاء بعضهم ليلا وشرع بهدم القسم الباقي من القلعة رغبة في الحصول على أحجار كثيرة!

Página desconocida