وفي حبي أنا غريب، عبثا أنظر في عينها كي أرى ذلك القبس القديم، يوم حملتها من خدر أمها في ليلة باردة، ونزعت أزهار عرسها البيضاء، وأخذت قدميها الباردتين بين كفي أدفئهما بحر أنفاسي.
عبثا أفتش عن قبس لمع في عينيها ساعة همست في أذني أنها تحبني، وأنها سعيدة.
سرعان ما حلق الحب بعيدا، سرعان ما أخذت مكاني مشاغل الحياة العالمية العوجاء، فالعطور، والأثواب، والقبعات، حتى والأحذية أقرب إليها مني، ولكل من الرجال أسبقية وألمعية وأفضلية؛ هذا نبيل، وهذا موسيقي، وهذا شاعر، ذاك يتكلم ثلاث لغات، وذاك له سيارة، وهؤلاء يلعبون البوكر لعب «الكبار»، وأولئك رجال صالونات، وهذان يرقصان بلباقة ورشاقة.
وأنا وحدي لا فضيلة لي أغبط عليها، ولا مزية أحب من أجلها، إن تكلمت ظهرت على وجهها علامات «العصبية»، وإن أعربت عن رأي أسرعت للدفاع عن ضده، وإن أخذت يدها بيدي أشعر أنها تتقلص وتقسو، وإن رفعتها إلى شفتي نكصت وتباعدت بحركة جفاف ونفور، فأشعر بسم البغضاء يتمشى في دمي، وأشعر أنني أذل من عبد، وأحقر من دودة تلصق بالتراب.
انتهى الغريب من أنشودة غربته ثم ضحك ضحكة صفراء؛ لأنه رجل والرجال لا يبكون ...
ونهض وسلم ومضى، ولما صار في منعطف السبيل همس لنفسه:
اصبر يا قلبي حتى الممات.
لماذا يعيش هذان الغريبان معا؟
ولماذا لا يطرد هذا الغريب فيأوي إلى مغارة جرداء يفترش غبراءها، ويأتلف مع حجارتها وأصلادها.
لماذا؟
Página desconocida