الغريب
جلس الغريب إلي كما إلى نفس شقيقة،
فجاش سره في صدره،
وتصاعدت مرارته إلى شفتيه،
وهم أن يلفظ قلبه من فيه ويرميه في كف رفيقة،
وهم أن يريني آثار النخاسة على وجنتيه،
وهم أن يريني الأصفاد الضاغطة على يديه ورجليه،
ولكنه تراجع، ووجم، فأرجع سره إلى صدره، ورد مرارته إلى كبده، وأخفى أصفاده تحت أثوابه؛ كي لا أرى وثائق انكساره، لأن الإقرار بالخيبة يؤلم نفوس الرجال.
وسكت الغريب وطال سكوته.
فحلق فكري في جواء الذكرى، وتمثلته في أيام فتوته، تمثلته يوم كان ولدا طيارا ، ومرت حياته في خيالي خضراء كالربيع، روية كندى الصباح، سرية كحديث البدر، عذبة كظلمة الليالي، وغضة ونضرة كبشرة الأطفال، ثم نهض وسلم ومضى، ولما سار في منعطف السبيل همس لنفسه:
Página desconocida