مصدر هذا التسلط المعنوي هو شعورنا بأننا دون الغربي تهذيبا وعلما، فهل هذا صحيح؟ وهل نحن دونهم حقيقة؟ وإذا كان من فرق بيننا وبينهم، فهل هو عظيم بهذا المقدار حتى نحني الركب ونعفر الوجوه؟
لسنا دونهم في التهذيب النفسي الخصوصي، ولكننا دونهم في التهذيب بمعناه المطلق؛ أي في التهذيب العلمي والاجتماعي.
والفرق بيننا وبينهم كبير وصغير. هو كبير إذا بقيت حياتنا فوضى.
ووطنيتنا أديان ومذاهب وطوائف، وأحزابنا شخصية نفعية، وهو صغير إذا وضعنا الجهاد نصب عيوننا وقلنا: حي على النظام، وعلى العمل، وعلى الفلاح.
وكم يمتلئ قلبي سرورا عندما أرى هذه الفئة العاملة، أبناء هذا الحي العزيز، ينتظمون جماعة ويؤلفون نهضة حية غايتها الإصلاح والتهذيب.
أيها السادة والسيدات، لا حياة لنا بدون نهضة أدبية، ولا نهضة أدبية بدون نظام؛ ففي كل يوم وفي كل ساعة نشعر بفقد هذه القوة الهائلة التي يتميز بها الغربي، والتي تذوب أمامها كل فضائلنا النفسية، وكل مزايانا الطيبة، وكل رغائبنا الصادقة.
كنت أتباحث مرة مع أحد الغربيين عن حالة البلاد الحاضرة، فقال لي: بلادكم لماعة غرارة تضيء من بعيد كلمع السراب، لكن لا منطق في بلادكم ولا نظام، ولا هيئة معروفة يمكن وصفها، معاهدكم شخصية، وجماعاتكم فردية، وأحزابكم نفعية، اكتبي وأنت كاتبة لهذا الشعب أن يتنظم، تنظموا، ابنوا أساساتكم.
قلت له: لمن أكتب وليس من يقرأ؟! لقد تسممت أفكارنا بكتب الغرب، وأصبحت اللغة العربية شيئا قديما لا يتنازل له أبناء هذا الجيل.
قال: اكتبي لعشرة أشخاص، اكتبي لاثنين، اكتبي لواحد، وإذا ما وجدت هذا القارئ الوحيد فاكتبي للأجيال القادمة.
وسافر هذا الغربي إلى بلاده وكتب لي من هناك: «أيتها السيدة، إنني أتأسف عليك وأنت في عنفوان العمر أن تدفني هبة يمكنك أن تنفعي بها أمتك، كلكم في هذا الشرق كسالى، كلكم تعيشون كما لو كانت الحياة ألف عام، نصيحتي إليكم أن تؤلفوا جماعاتكم، وتؤسسوا معاهدكم.»
Página desconocida