De la Transmisión a la Creación (Volumen 2 La Transformación): (1)
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (١)
Géneros
ثم ينظر في أصناف الأمم، أمة أمة وطباعها المشتركة من الملكات والأفعال الإنسانية واشتراكهم في الطبيعة الإنسانية التي تعمهم، وخصائص كل أمة التي تنفرد بها وما يستعمل معها من طرق الإقناع.
فالعلوم الحاصلة أربعة؛ الفضيلة النظرية التي تحصل بها الموجودات معقولة ببراهين يقينية أو بأعيانها عن طرق إقناعية أو مثالات تلك المعقولات والتصديق بها بالطرق الإقناعية وتطبيقها على كل أمة، وما تسعد به أو قد تشقى به أخرى. وما يستعمل في إقناع أمة قد لا يستعمل في إقناع أخرى. وذلك كله تنفيذ لغرض الرئيس والذي يفرض سلطته في تأديب الأمم مثل الطوائف؛ ففي كل منها فضيلة جزئية وأخرى فكرية لجودة استعمال الجيوش. وقد ينتقل التفويض إلى وحدات أصغر حتى الأفراد حسب فضائلهم الفكرية.
وأول هذه العلوم العلم الذي يعطي الموجودات معقولة ببراهين يقينية سواء بأعيانها منتفع بها أو بتخييلها ليسهل تعليم جهود الأمم وأهل المدن؛ فمنها الخاصة ومنها العامة. والعامة لا يقدرون إلا على ما يوجبه الرأي المشترك، والخاصة هم الذين يعرفون الأمور النظرية بمقدمات برهانية. والخاصة والعامة ليست قسمة حرفية، فيصبح كل متخصص في حرفة من الخاصة بل هو العمق في فهم العلم، والعامي كل من لم تكن له رياسة ولا صناعة ترشحه الرياسة أو يخدم بها المدينة، ومن ظن بنفسه أن له صناعة يصلح أن يتقلد بها رياسة أو حال رياسة مثل ذوي الأحساب وكثير من ذوي اليسار. وأدخل في الخصوص كل من كانت صناعته تؤهله أن يتقلد بها رياسة. فمقياس التمييز بين الخاصة والعامة هو درجة الأهلية للرياسة. أخص الخواص هو الرئيس الأول البعيد عن الرأي المشترك، ومن تقلد رياسة مدينة قصد بها تتميم الرئيس الأول وخدمته. وهو المؤهل للحصول على العلم ببراهين يقينية في حين يقتصر العامة أي الجمهور على البراهين الإقناعية والتخيلات. وهو أقدم العلوم وأكملها رياسة، وهو العلم النظري الأول وسائر العلوم خادمة له، الثاني والثالث المستنبطان منه.
وتتحول الفضائل والصناعات العملية إلى فلسفة في التاريخ عندما يبين الفارابي انتقالها في الأمم القديمة من أمة إلى أمة في خمس مراحل؛ فقد بدأت عند الكلدانيين وهم أهل العراق ثم صارت إلى أهل مصر ثم إلى اليونانيين ثم إلى السريانيين ثم إلى العرب؛ فالكلدانيون أقدم من المصريين، والعرب آخر من حملوا العلوم وليس المسلمون طبقا للتصور القومي للعلم. والشرق القديم، الصين، والهند، وفارس لا وجود له. ولو شاء أحد الاستمرار بعد الفارابي الآن لتحدث عن فترة الغرب الحديث منذ عصر النهضة حتى اليوم، واحتمال فترة سابعة في الشرق.
أما التدوين فهو فقط ثلاث مراحل، من اللسان اليوناني إلى اللسان السرياني إلى اللسان العربي، وكأن البابليين لم يدونوا علومهم ولا المصريين القدماء.
كان اليونانيون يسمون هذه العلوم والفضائل والصناعات الحكمة على الإطلاق أو الحكمة العظمى، ويسمون اقتناءها العلم وملكتها الفلسفة؛ فالفلسفة وسيلة للعلم، والعلم غاية الفلسفة. وتعني إيثار الحكمة العظمى ومحبتها. ويسمون المقتني لها فيلسوفا، ويصفون المحب للحكمة والمؤثر لها، وتتضمن بالقوة جميع الفضائل، ويسمونها علما أو علوما وأم العلوم وحكمة الحكم وصناعة الصناعات وفضيلة الفضائل. وتقال الحكمة على الحذق والإتقان في صناعة لدرجة الإعجاز في الحكمة البشرية. ويقال على الحاذق حكيم في تلك الصناعة، وكذلك النافذ الرؤية والحديث فيها قد يسمى حكيما، إلا أن الحكمة على الإطلاق هي هذا العلم وملكته.
وإذا انفردت العلوم النظرية ولم تتحول إلى قوة على استعمالها في غيرها كانت فلسفة ناقصة. والفيلسوف الكامل على الإطلاق هو الذي تحصل له هذه العلوم النظرية وتكون له القوة على استعمالها في غيرها. ولا فرق بين الفيلسوف والرئيس الأول. فمن لديه القوة على استعمال ما تحتوي عليه النظرية واحد، يجعل الأمور معقولة وإرادية. وكلما كانت قوته أعظم كانت فلسفته أكمل. والكامل على الإطلاق هو الذي حصلت له الفضائل النظرية والعلمية ببصيرة يقينية، وكانت له القدرة على إيجادها في جميع الأمم والمدن ببراهين يقينية وبطرق إقناعية بل وتخييلية طوعا أو كرها. وهو الفيلسوف على الإطلاق، الرئيس الأول. والتعليم يلتئم بشيئين؛ تفهيمه وإقامة معناه في النفس، ثم التصديق به. وتفهيم الشيء على ضربين؛ أن يعقل ذاته أو أن يتخيل مثاله الذي يحاكيه. ويكون التصديق بطريقين، البرهان اليقيني أو الإقناع. ومتى حصل علم الموجودات وعقلت معانيها ووقع التصديق بها على البراهين اليقينية كان العلم المشتمل على تلك المعلومات فلسفة. ومتى تخيلت بمثالاتها التي تحاكيها وقع التصديق بها بالطرق الإقناعية تسمى ملكة. وإذا استعملت فيها الطرق الإقناعية سميت الملكة المشتملة عليها الفلسفة الذائعة المشهورة والبترائية. فالملكة محاكية للفلسفة. وكلاهما يشتملان على موضوعات وبأعيانها، ويعطيان المبادئ القصوى للموجودات، علم المبدأ الأول والسبب الأول للموجودات، والغاية القصوى للإنسان وهي السعادة القصوى، والغاية القصوى لكل واحد من الموجودات. وما تعطيه الفلسفة معقولا أو متصورا تعطيه الملكة متخيلا. وما تعطيه الفلسفة مبرهنا تعطيه الملكة مقنعا. تعطي الفلسفة ذات المبدأ الأول وذوات المبادئ الثواني غير الجسمانية التي هي المبادئ القصوى معقولات. وتخيله الملة بمثالاتها المأخوذة من المبادئ الجسمانية، وتحاكيها بنظائرها من المبادئ المدنية، وتحاكي الأفعال الإلهية بأفعال المبادئ المدنية، وتحاكي أفعال القوى والمبادئ الطبيعية بنظائرها من القوى والملكات والصناعات الإرادية. وقد فعل ذلك أفلاطون في «الطيماوس»، عندما حاكي المعقولات بنظائرها الحسية، وأصناف السعادات القصوى، وهي غايات أفعال الفضائل الإنسانية بنظائرها من الخيرات، حاكي السعادات بنظائرها من السعادات، ومراتب الوجود بنظائرها من المراتب الكائنة في الزمان. وكل ما تعطيه الفلسفة بالبراهين اليقينية تعطيه الملة بالإقناعات. والفلسفة تتقدم على الملة بالزمان. فالإنسان نشأ فيلسوفا قبل أن يتحول إلى ملي.
وكما تحولت الفضائل النظرية والعملية إلى فلسفة، ثم تحولت الفلسفة إلى فلسفة في التاريخ، تتحول الفلسفة أيضا إلى فلسفة في القانون والتشريع. فإذا وجدت بالفعل معقولات الأشياء الإرادية التي تعطيها الفلسفة العملية وتوفرت فيها الشروط يمكن تحويلها إلى نواميس. فواضع النواميس هو الذي له القدرة على أن يستخرج بجودة فكره شرائطه التي يصبح بها موجودا بالفعل تنال به السعادة القصوى ويكون هو الفيلسوف الرئيسي أو الرئيس الفيلسوف. فشرط التشريع هو الفلسفة. والفلسفة إن لم تتحول إلى تشريع تكون ناقصة بل يصفها الفارابي بأنها باطلة. فمن اقتنى الفضائل دون أن تكون له القدرة على إيجادها على العموم وليس على الخصوص، وأن يستخرج المعقولات الإرادية أحوالها وشرائطها بحيث تكون موجودة بالفعل يكون ناقصا؛ فالفضيلة الفكرية شرط التحول إلى الفضيلة العملية. والفضيلة العملية لا توجد إلا بشرط الفضيلة الفكرية. ويتطلب ذلك أيضا القدرة على جودة الإقناع والتخييل.
الإمام والفيلسوف والمشرع - أي واضع النواميس - معنى واحد إلا أن الفيلسوف يدل على الفضيلة النظرية والفيلسوف الكامل هو الذي يصل بها إلى كمالها الأخير، فيصبح واضع القواميس الذي يتضمن جودة المعرفة بشرائط المعقولات العملية والقوة على استخراجها وإيجادها في الأمم والمدن. والملك يفيد التسلط والاقتدار، والاقتدار التام ينبع من الداخل وليس من الخارج، وهو ما يتطلب قوة المعرفة والفكرة والفضيلة والصناعة وإلا نقصت قدرته. وإن كان قادرا على الخيرات دون السعادة القصوى كان ناقصا، لذلك صار الملك على الإطلاق هو الفيلسوف واضع النواميس. والإمام في لغة العرب يدل على المؤتم به والمستقبل، أما المتقبل كما له أو المتقبل غرضه. فإن لم يكن متقبلا لجميع الأفعال والفضائل والصناعات لم يكن متقبلا على الإطلاق، وإن لم يوجد غرض يلتمس حصوله بشيء من الأفعال والفضائل والصناعات سوى غرضه كانت صناعته وفضيلته وفكرته وعلمه أعظم الصناعات والفضائل والأفكار والعلوم، ولا يمكن ذلك دون العلوم النظرية والفضائل الفكرية عند الفيلسوف.
الفيلسوف والرئيس الأول والملك وواضع النواميس والإمام إذن معنى واحد. وهي مترادفات على التبادل عند جمهور اللغويين، تدل على معنى واحد. ومتى حصلت هذه الأشياء النظرية التي برهنت في العلوم النظرية، وتخيلت في نفوس الجمهور، ووقع التصديق بها، وحصلت الأشياء العملية بشرائطها، وتمكن وجودها من النفوس واستولت عليها وصارت عزائم تنهضهم نحو أفعال أخرى ؛ فقد تحققت الفضائل النظرية والعملية بأعيانها وببصيرة يقينية إذا كانت في نفس واضع النواميس. وإذا كانت في نفوس الجمهور فهي ملكة عن تخيل وإقناع. وهي عند واضع النواميس الفيلسوف ليست مخيلات أو مقنعات بالنسبة له بل يقينية، بل هو الذي اخترعها لتتمكن من نفوس الجمهور على أنها تخييل وإقناع لغيره. له فلسفة ولغيره ملكة. فهو الفيلسوف بالحقيقة.
Página desconocida