فلم يصرع أول بيت، وأتى بعده ببيت واحد، ثم قال:
يا ابني أميةَ إنِّي عنكما غاني ... وما الغِنى غيرُ أني مشعرٌ فانِي
وإنما يذهب الشعراء المطبوعون المجيدون إلى ذلك، لان بنية الشر إنما هو التسجيع والتقفية، فكلما كان الشعر أكثر اشتمالًا عليه كان أدخل له في باب الشعر وأخرج له عن مذهب النثر.
نعوت المعاني الدال عليها الشعر
جماع الوصل لذلك أن يكون المعنى مواجهًا للغرض المقصود، غير عادل عن الأمر المطلوب.
ولما كانت أقسام المعاني التي يحتاج فيها إلى أن تكون على هذه الصفة مما لا نهاية لعدده، ولم يمكن أن يؤتى على تعديد جميع ذلك، كي يبلغ آخره، رأيت أن أذكر منه صدرًا ينبئ عن نفسه، ويكون مثالًا لغيره، وعيارًا لما لم أذكره، وأن أجعل ذلك في الأعلام من أغراض الشعراء، وما هم له أكثر دوسًا، وعليه أشد دومًا، وهو المديح والهجاء والمرائي والتشبيه والوصف والنسيب.
الغلو والاقتصار
وأقدم أمام كلامي في هذه الأقسام قولًا يحتاج إلى تقديمه، وهو أني رأيت الناس مختلفين في مذهبين من مذهب الشعر، وهما الغلو في المعنى إذا شرع فيه، والاقتصار عل الحد الأوسط فيما يقال منه، وأكثر الفريقين لا يعرف من أصله ما يرجع إليه ويتمسك به، ولا من اعتقاد خصمه ما يدفعه ويكون أبدًا مضادًا له، لكنهم يخبطون في ظلماء، فمرة يعمد أحد الفريقين إلى ما كان من جنس قول خصمه فيعتقده، ومرة يعمد إلى ما جانس قوله في نفسه فيدفعه ويعتقد نقضه، وقد شهدت أنا، ممن هذه سبيله، قومًا يقولون إن قول مهلهل ابن ربيعة:
فلولا الريحُ أسمعُ أهل حَجْرٍ ... صليل البيضِ تقرعُ بالذكور
خطأ من أجل أنه كان بين موضع الوقعة التي ذكرها وبين حجر مسافة بعيدة جدًا.
وكذلك يقولون في قول النمر بن تولب:
أبقى الحوادثُ والأيامُ من نَمْرٍ ... أسْبَادَ سيفٍ قديمٍ إثرُه بادِ
1 / 17