يتلهب ويتوقد حرًّا إذ أبصرت جارية سوداء قد خرجت من دار المأمون ومعها جرة فضة مملوءة ماء وهي تردد هذا البيت بحلاوة لفظ وذرابة لسان وتقول:
حر وجد وحر هجر وحر ... أي عيش يكون ذا أمر
قال فقلت يا جارية ما شأنك؟ فقالت إني جارية لأمير المؤمنين المأمون وأنا أحب عبدًا له
أسود وقد هجرني ولا أقدر أن أظهر حبي لأحد. قال فمضيت واستأذنت على المأمون وإذا هو نائم فأذن لي وقد كان أمر أن لا أحجب عنه على أي حال كان فدخلت عليه وهو في مرقده، فقال ما جاء بك يا أصمعي في هذا الوقت؟ قلت يا أمير المؤمنين أتهب لي جاريتك فلانة السوداء وعبدك الأسود فلانًا، فقال قد فعلت ذلك وهما لك افعل بهما ما شئت فخرجت من عنده وأحضرتهما وجمعت بينهما بعد أن جمعت من أهل الدار من حضر وأعتقتهما وزوجت الجارية من العبد، ثم عدت إلى المأمون وقلت له يا أمير المؤمنين إني فعلت كيت وكيت وإني اريد الآن ما أجهزهما به فأمر لكل واحد منهما بعشرة آلاف درهم وأمر لي بمثل ذلك وخرجت من عنده وعاد هو إلى نومه.
حكاية: أخبر عمر بن الحبيب القاضي أن رجلًا كان بالبصرة وكانت له امرأة وله منها ابنان فمات وترك لهم شاة، فرأت المرأة في النوم كأن أحد ابنيها يقول يا أماه أما ترين هذا الجدي قد أفنى علينا لبن هذه الشاة وليس بد من أن أقوم أذبحه فقالت لا تفعل يا بني قال لابد من أن أذبحه فقام وذبحه وسمطه وشواه وأخرجه من التنور وقعد هو وأخوه يأكلان فكلمه أخوه بشيء فأخذ السكين وشق بطنه فانتبهت فزعة وإذا بانها يقول يا أماه أما ترين هذا الجدي قد أفنى علينا لبن هذه الشاة فأريد أقوم فأذبحه، فقالت لا تفعل يا بنيّ وجعلت تتعجب من تصديق الرؤيا فأخذت بيد أخيه فأدخلته بيتًا وأغلقت عليه الباب من داخل، فبينما هي مفكرة ومغتمة إذ غفت فرأت النبي ﷺ في النوم، فقال لها ما شأنك؟ فخبرته الخبر فنادى يا رؤيا فإذا الحائط قد انشق وخرجت منه امرأة جميلة بديعة الجمال، فقال لها ما أردت بهذه المسكينة، فقالت لا والذي بعثك بالحق نبيًا ما أتيتها في منامها فنادى يا أضغاث أحلام فخرجت امرأة دونها، فقال لها ما أردت بهذه المسكينة، قالت رأيتهم بخير فحسدتهم وأردت أن أغمهم، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس عليك بأس
1 / 38