وغيرهم من خلال تلك الوظائف، كانت تثمر فوائد علمية قد أودع جانبًا منها في مؤلفاته، كما أشار إلى ذلك في مقدمة شرحه للترمذي وسيأتي بيان ذلك في منهجه فيه، بإذن الله.
١٤ - من تلاميذ المؤلف وتلميذاته وتأثيره فيهم:
(أ) تعريف عام:
تقدم قول الذهبي: إن ابن سيد الناس تخرج به جماعة، وهذا يدل على كثرة تلاميذه الذين أطالوا التلمذة عليه، حتى تخرجوا على يديه، فصاروا ثمارًا طيبة لعلمه الذي ينتفع به، وبقيت حتى الآن سلسلة روايتهم للحديث متصلة بواسطته، كما سيأتي، وتقدم أيضًا وصف المؤلف بأنه كان محبًا لطلبة العلم، طيب الأخلاق، ومن أحسن الناس محاضرة، لا تُمل محاضرته، حسن المحاورة، لطيف العبارة، مع سعة العلم، وجودة الفهم، وذلك هو ملاك صفات المدرس الناجح والكفء، بكل المقاييس العلمية والتربوية، مما يجعل طلاب العلم، بقبلون عليه، ويكثرون في حلقته، ويستفيدون منه، عِلمًا وخلقًا.
وكما وجدنا فيما تقدم بعض النساء قد أخذ عنها المؤلف الحديث، كذلك وجدت بعض النساء قد أخذَت عن المؤلف، وروت ما تحملته لمن بعدها.
فقد قال تقي الدين محمد بن محمد بن محمد بن فهد المكي: شافهتني المسندة أم محمد رقية ابنة علي بن مَزروع المدنية بها، أي بمكة وكتب إليّ المعمر أبو عبد الله محمد بن حسن بن علي القُرَشِي الفرسيسي المصري، منها -أي من مصر- قالا: أنبانا الحافظ أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله، اليعمري، قال: أخبرنا الإِمام الحافظ قطب الدين أبو محمد، أحمد القسطلاني ... وساق سنده إلى أحمد بن عبد الله بن الحسين المحاملي ... ثم إلى الرسول ﷺ بحديث: "إذا وطئ أحدكم الأذى بخُفَّيهِ، فطهورها التراب" (١).
_________
(١) ذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ للذهبي / ٨٠، ٨١.
1 / 48