طالت وقفة «حامد» عند الباب الذي كان بلا وعي قد أغلقه، و«فتحية» مستلقية لا تزال يدها متشبثة برأس السرير، وجسدها مفتوح الساقين مغطى، وليس في عقلها سوى رغبة ملحة لا تنتهي أو تتزحزح، أن يصنعها «حامد» وينتهي. إنه الطريق الوحيد الذي لا بد يمتد إليه المقدر والمكتوب؛ فبعد كل ما حدث كيف يمكن للحياة أن تستمر؟ وكيف باستطاعة أي شيء أن يعود كما كان؟ إن الأمور لا يمكن أن تستقيم، ومستحيل أن يهجع أي منهما أو يرتاح راحته الكبرى إلا بأن تموت «فتحية»، وبيد «حامد» لا أقل.
لا حل للموقف كله إلا بأن يقتلها «حامد» ويستريح، وتستريح، ولكن الغريب أن الهاتف كلما وصل إلى هذا الحد كان يعود يطل برأسه، ويؤكد لها أن «حامد» لن يقتلها، وأنها لن تموت، وأنها سيكون لها مصير آخر.
وتعب «حامد» من الوقوف الطويل المتفرس وجلس، وجاء الولد من الخارج «بزيطة» وطلب ملح للطعام، وحين أحس بالصمت الملغم المستمر انتابه غير قليل من الخوف فسكت، وما لبث أن نام.
وأظلمت الدنيا وأصبح ظلام الحجرة تاما شاملا.
ولم يجسر أحد أن يضيء النور.
بقي «حامد» على جلسته عند الباب يدخن من علبة السجاير الصغيرة التي اشتراها بما توفر له من نقود الأفندي.
و«فتحية» بهدوء شديد تجلس، ثم ترقد، ثم تعود إلى الجلوس، وتنتظر من «حامد» أن يفعلها وينتهي. كل ما كانت ترجوه بينها وبين نفسها ألا يأخذها على سهوة، إنما بطريقة أو بأخرى يرحمها، ينذرها، فلم يعد في جسدها ذرة واحدة قادرة على تحمل المفاجأة، أية مفاجأة، ويكفيها ما رأت من مفاجآت.
حاولت مرة أن تتكلم فأسكتها «بزومة» منه، «زومة» حيوان جريح.
وحين غفت عيناها لبرهة وصحت على نهنهة رجالية منخفضة مكتومة كادت تجن، غير مصدقة أخيلتها. هل هو «حامد» الذي يشهق ويبكي؟ أيبكي؟
أكان صنع هذا لو كانوا في بلدهم؟ أأصيب هو الآخر باللعنة وهزمته مصر ورخرخت إرادته وطبيعته، حتى لم يعد قادرا على قتل زوجته وهو يضبطها متلبسة مأخوذة؟ أصحيح لزلتها يبكي؟
Página desconocida