فاختلجت اختلاجا عنيفا، وقالت: إذا كان في ذلك شفاؤه فليقم بيننا؛ فإن مودست ستحبه وسيكون معنا كأنه مع عائلته. - لقد فات الأوان. - فات الأوان؟ ألم يبق شيء من الرجاء؟ - كلا وا أسفاه.
وأقامت طول ليلها وهي تقول: رباه، ماذا أصنع؟
وفي صباح اليوم التالي عادت إلى سؤال ولدها عنه، فقال لها: إنه ينطفئ تباعا كالمصباح حين يفرغ منه الزيت، ولماذا تسألينني وماذا تريدين أن تصنعي؟ - لا شيء، وما عساي أصنع؟
وعادت إلى غرفتها وهي تناجي نفسها فتقول: من يعلم، ألا يمكن أن يفتكر بي دائما كما أفتكر فيه، ألا يمكن أن أضع شيئا من الرجاء في حياته الآخذة بالزوال، وإذا عادت إليه الحياة ألا أكون قد كفرت عن ذنبي؟
وقد فتحت درجا بمفتاح كان معلقا بسلسلة في عنقها وأخرجت منه غلافا أصفر لتقادم العهد به ففضته، وأخرجت ضمة من الزهر جافة كانت تحتفظ بها كأنها من الكنوز، وهي الضمة التي جناها لها بوفور قبل الزواج مخاطرا بحياته في وادي سويسرا، وهي كل ما بقي عندها من التذكارات.
وقد وضعتها في غلاف جديد وأرسلت من جاءها بكلوكلو فأعطته الغلاف، وقالت له: خذه للموسيو بيير بوفور، واحذر أن تفوه بكلمة عني أو تدعه يعلم أني أنا مرسلة الكتاب. ثم يجب أن تذكر أن هذه هي المرة الثانية التي أئتمنك فيها على هذا الكتاب.
فأطرق برأسه مستحييا، وقال: ثقي يا سيدتي أني لا أضيعه هذه المرة.
وقد أخذ الكتاب وذهب به من فوره إلى منزل بوفور، فسلمه إلى خادمه وانصرف، ففض بوفور الغلاف فلم ير فيه غير ورقة بيضاء مكتوب عليها تاريخ 25 أيار سنة 1855 وضمة ذابلة جافة من زهر البنفسج، فلم يحفل في البدء؛ حتى لقد توهم أن الرسالة أرسلت إليه خطأ.
وفيما هو ينظر تارة إلى الضمة وتارة إلى التاريخ ارتعش فجاءة ووثب من فراشه، وقال: كلا، فما أنا بمجنون ولا حالم ولكنها الحمى.
ولكن ما هذا البنفسج الذابل؟ إنها تذكرني بتلك الضمة التي جنيتها من الوادي ولقيتها يوما مخبوءة في صدرها حين أغمي عليها، وفككت الخادمة أزرارها، ما هذا بالتاريخ؟ إنما هو تاريخ زواجي بها، فمن عساه يحتفظ بهذه الضمة خمسة وعشرين عاما ويرسلها لي غير مرسلين.
Página desconocida