ومن المحدثين من اشترط في الصحيح رواية راويين على الأقل؛ وهو شرط العزيز.
قال الحافظ زين الدين العراقي في شرحه على مقدمة ابن الصلاح: «قال البيهقي في رسالته إلى أبي محمد الجويني - رحمهما الله - رأيت في الفصول التي أملاها الشيخ - حرسه الله تعالى - حكاية عن بعض أصحاب الحديث، أنه يشترط في قبول الأخبار أن يروي عدلان عن عدلين حتى يتصل مثنى مثنى برسول الله
صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكر قائله إلى آخر كلامه، وكأن البيهقي رآه في كلام أبي محمد الجويني فنبه على أنه لا يعرف عن أهل الحديث، والله أعلم.»
5
وجاء في رسالة ابن حجر العسقلاني ما يأتي: «والثالث العزيز، وهو أن يرويه أقل من اثنين عن اثنين، وسمي بذلك إما لقلة وجوده وإما لكونه عز، أي: قوي بمجيئه من طريق أخرى، وليس شرطا للصحيح خلافا لمن زعمه، وهو أبو علي الجبائي من المعتزلة، وإليه يومئ كلام الحاكم أبي عبد الله في علوم الحديث؛ حيث قال: الصحيح أن يرويه الصحابي الزائل عنه اسم الجهالة بأن يكون له راويان، ثم يتداوله أهل الحديث كالشهادة على الشهادة، وصرح القاضي أبو بكر بن العربي في شرح البخاري بأن ذلك شرط البخاري، وأجاب عما أورد عليه من ذلك بجواب فيه نظر. لأنه قال: فإن قيل: حديث الأعمال بالنيات فرد لم يروه عن عمر إلا علقمة، قال: قلنا: قد خطب به عمر رضي الله عنه على المنبر بحضرة الصحابة، فلولا أنهم يعرفونه لأنكروه كذا، وقال: وتعقب بأنه لا يلزم من كونهم سكتوا عنه أن يكونوا سمعوه من غيره، وبأن هذا لو سلم في عمر، منع في تفرد علقمة. ثم تفرد محمد بن إبراهيم به عن علقمة، ثم تفرد يحيى بن سعيد به عن محمد على ما هو الصحيح المعروف عند المحدثين، وقد وردت لهم متابعات، لا يعتبر بها لضعفها، وكذا لا نسلم جوابه في غير حديث عمر - رضي الله عنه - قال ابن رشيد: ولقد كان يكفي القاضي في بطلان ما ادعى أنه شرط البخاري أول حديث مذكور فيه، وادعى ابن حبان نقيض دعواه، فقال: إن رواية اثنين عن اثنين إلى أن ينتهي لا توجد أصلا. قلنا: إن أراد به أن رواية اثنين فقط عن اثنين فقط، لا توجد أصلا فيمكن أن نسلم، وأما صورة العزيز التي حررناها فموجودة بأن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين.»
6
وقال الشيخ محي الدين عبد الحميد، المدرس في كلية اللغة العربية في الجامع الأزهر، في شرحه على ألفية السيوطي، ما نصه: «وقد قال باشتراط رواية رجلين عن رجلين إبراهيم بن إسماعيل بن علية، وهو من الفقهاء المحدثين، وكان يميل إلى الاعتزال، وكان الشافعي يحذر منه ويرد عليه، وذهب أبو علي الجبائي من المعتزلة إلى أن شرط الصحة رواية عدلين عن مثلهما، أو رواية عدل واحد بشرط أن يعضده موافقة ظاهر كتاب أو ظاهر خبر آخر، ونقل الأستاذ أبو منصور البغدادي أن بعضهم اشترط في قبول الخبر أن يرويه ثلاثة عن ثلاثة إلى منتهاه.»
وبعضهم اشترط أربعة عن أربعة، وبعضهم اشترط خمسة عن خمسة، وبعضهم اشترط سبعة عن سبعة، وكل هذه الأقوال غير قول جمهرة العلماء، وقد نسب الناظم القائلين بها إلى الغلط، وذلك في قوله:
وليس شرطا عدد ومن شرط
رواية اثنين فصاعدا غلط
Página desconocida