78

Música y canto en los árabes

الموسيقى والغناء عند العرب

Géneros

فقد كاد ضوء الصبح أن يفضح الدجى

وكاد قميص الليل أن يتمزقا

فوالله لقد أذهلني ولم أسمع مثله قط، ثم وضع العود بين يده وقال: إذا غنيت الخلفاء فغنهم هكذا، وقام وخرج، فقمت في إثره وقد كاد أن يذهب عقلي حيرة من حسن غنائه، فلم أجده، فقلت لأصحاب الستارة: من هذا الرجل الذي خرج؟ فقالوا: ما دخل أحد حتى يخرج، فرجعت إلى موضعي وعلمت أنه إبليس!

وانتبه الرشيد فحدثته الحديث، وغنيته الصوت، فلم يزل يستعيده طربا حتى نام، فلما أفاق قال: وددت والله لو أمتعنا هذا الرجل بغنائه من غير أن يعرفنا بنفسه، وأمر لي بجائزة ما أمر لي بمثلها قط، واصطبحنا على الصوت أياما.

وحكى إسحاق عن أبيه إبراهيم الموصلي نظير ذلك، قال إبراهيم: استأذنت الرشيد أن يهب لي يوما من أيام الجمعة لأنفرد فيه بجواري وإخواني، فأذن لي يوم السبت، وقال: هو يوم أستثقله فاله فيه بما شئت، قال: فأقمت يوم السبت بمنزلي، وأخذت في إصلاح طعامي وشرابي بما احتجت إليه، وأمرت البواب أن يغلق الأبواب وألا يأذن لأحد في الدخول علي، فبينما أنا في مجلسي والحرم قد حففن بي، إذا أنا بشيخ ذي هيئة وجمال عليه خفان قصيران، وقميصان ناعمان، وعلى رأسه قلنسوة، وبيده عكازة مقمعة بفضة، وروائح الطيب تفوح منه حتى ملأت الدار والرواق، فدخلني غيظ عظيم لدخوله علي، وهممت بطرد بوابي، فسلم علي أحسن سلام، فرددت عليه، وأمرته بالجلوس، فجلس وأخذ في أحاديث الناس وأيام العرب وأشعارها، حتى سكن ما بي من الغضب، وظننت أن غلماني تحروا مسرتي بإدخال مثله علي لأدبه وظرفه ، فقلت: هل لك في الطعام؟ قال: لا حاجة لي فيه، قلت: فالشراب؟ قال: ذلك إليك، فشربت رطلا وسقيته مثله، فقال: يا أبا إسحاق، هل لك أن تغنينا شيئا فنسمع من صنعتك ما قد فقت به عند الخاص والعام؟ فغاظني قوله، ثم سهلت الأمر على نفسي فأخذت العود فجسست ثم ضربت وغنيت، فقال: أحسنت يا إبراهيم، فازددت غيظا وقلت: ما رضي بما فعله في دخوله بغير إذن، واقتراحه علي حتى سماني باسمي، ولم يجمل مخاطبتي، ثم قال: هل لك أن تزيد ونكافئك؟

قال إبراهيم: فتعجبت من قوله، وقلت في نفسي: بم يكافئني؟ ثم أخذت العود فغنيت وتحفظت بما غنيته، وقمت به قياما تاما لقوله لي: أكافئك؛ فطرب وقال: أحسنت سيدي، ثم قال: أتأذن لعبدك في الغناء؟ فقلت: شأنك، لكن استضعفت عقله في أن يغني بحضرتي بعد ما سمعه مني، فأخذ العود وجسه؛ فوالله لقد خلت أن العود ينطق بلسان عربي فصيح في يده، واندفع يغني:

ولي كبد مقروحة من يبيعني

بها كبدا ليست بذات قروح؟

أباها علي الناس لا يشترونها

ومن يشتري ذا علة بصحيح؟

Página desconocida