العالم الإسلامى فى مغربه ومشرقه من سقوط لمدن الأندلس فى أيدى المسيحيين واحدة بعد الأخرى، ومن اضطرابات سياسية فى شمالى افريقيا، ومن تصارع فى الشام بين الصليبيين والمسلمين، ومن اجتياح المغول لأقصى الشرق الإسلامى حتى وصلوا بغداد عام ٦٥٦ هـ ودمروا فيها كل مظاهر الحكم والحضارة، كل هذا حدث خلال حياة ابن سعيد.
وربما كان والده موسى هو الذى درّبه على هذا العمل المنظم، ولكن الذى لاشك فيه أنه لولا استعداد الابن الفطرى لهذا ما كان الوالد قد نجح فيما أراد لابنه.
كان ابن سعيد مؤرخا جوّالا، فكان يرى من الأحداث ما يقع، ويسمع من مشاهدى. عصره ما ينزل بالمسلمين من خطوب، وكان من الممكن أن يظهر تأثير كل ذلك فيما يكتب، ولكننا نلحظ عكس ذلك تماما فى مؤلفاته، إذ نراه معجبا فحسب بقصيدة قالها الشاعر المصرى ابن مطروح مثلا فى مديح الملك الأيوبى حين ينزل الهزيمة بالملك لويس الناسع وبحملته على دمياط، ولكننا لا نجده يشارك فى تصوير فرحته بهذا النصر وهو الشاعر المسلم، أو على الأقل تصوير ألمه لما يقع للمسلمين من هزائم فى كل مكان. قد يكون ديوانه المفقود فيه شىء من هذا ونحن لا نعلمه، ولكن الذى ألاحظه أن ما وصل إلينا من شعره فى بطون الكتب وهو ليس بقليل يجعلنا نحس بأن الرجل يقف موقف المتفرج أكثر منه من موقف المشارك من كل هذه الأحداث. أما شعره فهو إما حنين لوطنه الأول فى غرناطة أو تصوير لمتعته واستمتاعه بمظاهر الترف والحضارة فى مدن العالم الاسلامى التى تجول فيها، كما فعل وهو فى تونس أو فى مصر أو فى الشام «١»، وقد تكون بعض قصائد المديح التى ينشرها فى ملوك العصر لا تخرج عن الهدف المصلحى منها وهى أن يكرمه هؤلاء الملوك وأن يجزلوا له فى العطاء.
ويظهر أن صديقه ابن العديم كان يعرف فيه ذلك، إذ حينما دعاه معه إلى حلب
1 / 32